في الشوارع في شبه هذيان قبل أن يبلغ مسكنه" (٦٨). ثم كتب نداء للشعب الفرنسي عنوانه "إلى جميع الفرنسيين الذين مازالوا يعشقون العدل والحق" ونسخ صوراً منه على إعلانات وزعها على المارة في الشوارع. وقد رفضها العديد منهم قائلين أنه ليس موجهاً إليهم (٦٩). فأقلع عن محاولاته. واستسلم للهزيمة.
وهدأت الآن ثائرته بعد أن راض نفسه على الإذعان. وكتب في هذه الفترة (١٧٧٧ - ٧٨) أجمل كتبه "أحلام جواب منفرد" فروى كيف أن أهل موتييه رفضوه وحصبوا بيته، وكيف اعتكف في الأيل دسان تبيير في بحيرة بيين. وهناك وجد السعادة، ثم راح- بعد أن استرجع ذكرى تلك الخلوة- يصور المياه الهادئة، والجداول المتدفقة، والجزيرة تغطيها الخضرة، والسماء الكثيرة الصور والأشكال. وقد عزف على نغمة رومانسية جديدة بإلماعه إلى أن الروح المتألمة قد تجد دائماً في الطبيعة شيئاً يستجيب لمزاجها. ونحن نسأل أنفسنا حين نقرأ تلك الصفحات، أيستطيع رجل نصف مجنون أن يكتب بهذا الإتقان، وبهذا الوضوح، وأحياناً بهذا الهدوء والصفاء. ولكن الشكاوي القديمة تعود إلى الظهور، وينوح روسو من جديد لأنه نبذ أطفاله، وأنه لم يؤت الشجاعة البسيطة التي تمكنه من تربية أبنائه. وقد رأى طفلاً يلعب، فعاد إلى حجرته و"بكى وكفر عن ذنبه" (٧٠).
وفي تلك السنين الأخيرة التي قضاها في باريس كان ينظر بعين الحسد إلى ذلك الإيمان الديني الذي سماه بحياة العامة من الناس المحيطين به إلى مسرحية من الموت والبعث. وكان أحياناً يختلف إلى خدمات الصلاة الكاثوليكية. وقد زار ديراً مع برناردان دسان- بيير، وسمع الرهبان يتلون ابتهالاً فقال "آه؛ ما أسعد الإنسان الذي يستطيع أن يؤمن" (٧١). إنه لم يستطع أن يؤمن (٧٢)، ولكنه حاول أن يسلك كمسيحي، ويتصدق، ويفتقد المرضى ويواسيهم (٧٣). وقد قرأ وكتب حواشي على كتاب توماس أكمبيس "الاقتداء بالمسيح".
ثم خف إحساسه بالمرارة في نفسه بدنو أجله. وحين وصل فولتير