للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روسو يحاكم جان جاك". وقد عكف على هذا الكتاب الذي بلغت صفحاته ٤٥٠ فترات متقطعة على مدى سنين أربع، وكان الظلام يغشى عقله أكثر فأكثر كلما مضى فيه. وقد رجت المقدمة القارئ أن يقرأ الحوارات الثالثة قراءة دقيقة شاملة، "انظر إلى هذا التفضل الذي يطلبه منك قلب أثقله الحزن على أنه دين إنصاف تفرضه السماء عليك" (٦١). وقد اعترف بما يشوب الكتاب من "إسهاب مفرط وتكرار، وحشو، وفوضى" (٦٢)، غير أن مؤامرة اتصلت خمسة عشر عاماً- فيما زعم- للنيل من سمعته، ولا بد أن يبرئ نفسه قبل أن يموت. وقد نفى وجود أي تضارب بين الفردية "الأحاديث وجماعية العقد الاجتماعي"، وذكر قراءه أن لم يرغب قط في أن يقضي على العلوم والفنون ويرتد إلى الهمجية. ووصف مؤلفاته- لا يما "جولي" و "أميل"- بأنها غنية في الفضيلة والحنان، وتساءل كيف يمكن أن يؤلف مثل هذه الكتب فاسق أنهكه المرض كما صوره المنتقصون من قدره (٦٣). واتهم أعداءه بأنهم أحرقوا دمية تصوره، وبأنهم ألفوا السرينادات عنه للهزء به (٦٤) وشكا من أنهم، حتى الآن، يراقبون كل زواره ويحرضون جيرانه على إهانته (٦٥). ثم كرر قصة ميلاده، وأسراه، وصباه، ووصف رقة خلقه ونزاهته، ولكنه اعترف بما فيه من كسل، و "ميل إلى أحلام اليقظة" (٦٦)، ونزوع إلى أن يخلق في جولاته منفرداً عالماً وهمياً يستطيع أن يسعد فيه ولو للحظة. وعزى نفسه بهذه النبوءة "أنا واثق من أنه سيأتي يوم يبارك فيه الناس الطيبون الشرفاء ذكراي ويبكون على مصيري" (٦٧).

ثم أضاف إلى الحوار الأخير فصلاً عنوانه "تاريخ هذا الكتاب" ذكر فيه كيف أنه لكي يلفت نظر باريس وفرساي لكتابه اعتزم أن يودع نسخة من المخطوط، موجهة إلى العناية الإلهية، على المذبح الأعلى في كاتدرائية نوتردام. وقد حاول هذا في ٢٤ فبراير ١٧٧٦، فلما وجد المذبح مسدوداً بدرابزين، حاول الدخول إليه من جانبيه، فلما وجدهما مقفلين أصابه دوار، وخرج عدواً من الكنيسة، وراح يضرب على غير هدى ساعات