ثمن يبذل للظفر بك ولصيانتك، وليت في الإمكان تعليمهم أن قوانينك أشد صرامة من نير الطغاة الثقيل! " (٥٩).
لقد علمت الحياة ومونتسكيو روسو أن مناقشات مثل "عقده الاجتماعي" إنما هي أحلام تعوم في الفراغ ونظريات مجردة لا ترتكز على الواقع. لذلك سلم الآن بأن جميع الدول تضرب جذورها في التاريخ والظروف، وأن مصيرها الفناء أن هي قطعت جذورها دون تمييز. ومن ثم فقد نصح البولنديين بألا يدخلوا تغييرات فجائية على دستورهم، وبأن يحتفظوا بملكهم المنتخب على ان يقيدوا حق النقض المطلق، وبالكاثوليكية ديناً رسمياً للدولة مع تطوير نظام تعليمي يستقل عن الكنيسة (٦٠). وقد بدت له بولندة بحال مواصلاتها ووسائل نقلها الراهنة أوسع من أن تحكم من مركز واحد، فمن الخير إذن تقسيمها إلى ثلاث دول تتحد فقط في الاتصالات المشتركة والشئون الخارجية. ومن عجب أن الرجل الذي ندد من قبل بالملكية الخاصة أصلاً للكل الشرور، كرس الآن الإقطاعية البولندية، واقترح فرض الضرائب على جميع الأراضي، على أن تترك حقوق الملكية الراهنة دون مساس بها، ثم أعرب عن أمله في أن تلغى القنية يوماً ما، ولكنه لم يدع إلى إنهائها في وقت قريب، فهذا في رأيه يجب أن يؤجل إلى أن يتاح للقن مزيد من التعليم. وقد أكد أن كل شيء رهن بنشر التعليم، وتعزيز الحرية بأسرع من تعزيز الذكاء والأخلاق معناه فتح الباب على مصراعيه للفوضى وتقسيم البلاد.
غير أن التقسيم تم قبل أن يتمكن روسو من إنهاء مقاله، فالسياسة العملية تجاهلت تشريعه الفلسفي في بولندة كما تجاهلته في كورسيكا. وقد شارك هذا الإحباط المزدوج في تكدير سنيه الأخيرة، وزاد من حدة احتقاره لجماعة الفلاسفة الذين أثنوا من قبل على أولئك الحكام- فردريك الثاني، وكاترين الثانية، ويوزف الثاني- الذين يقطعون الآن أوصال بولندة، وامتدحهم باعتبارهم حكاماً مستبدين مستنيرين وملوكاً فلاسفة.
وفي ١٧٧٢ بدأ محاولة أخرى للرد على خصومه وسمي الكتاب "حوارات: