ومن ذلك المرفأ الذي نعما فيه بسلام الجوار نهضت روحاهما لتجددا حربهما في سبيل الثورة، وفرنسا، والإنسان الغربي.
ب - تأثير روسو
وهكذا ننتهي كما بدأنا بالتأمل المعزز بالدليل الآن، في ذلك الأثر الذي لا يصدق، والذي خلفه روسو في أدب القرن الذي بدأ بموته، وفي بيداجوجيته وفلسفته، ودينه، وأخلاقه، وعاداته، وفنه، وسياسته. والكثير مما كتب يبدو اليوم أن فيه غلواً، أو إسرافاً في العاطفة، أو سخفاً، و "الاعترافات" و "أحلام اليقظة" فقط هما اللذان يحركان مشاعرنا، ولكن حتى الأمس كانت كل كلمة من كلماته تسمع في ميدان أو آخر من ميادين الفكر الأوربي أو الأمريكي. إن روسو كما قالت مدام دستال "لم يخترع شيئاً، ولكنه أشعل النار في كل شيء"(٧٦).
فأول شيء بالطبع هو أنه كان بمكانة الأم من الحركة الرومانتيكية. وقد رأينا غيره كثيرين يبذرون بذرتها. "طومسون، وكولنز، وجراي، ورتشردسن، وبريفو، والمسيحية ذاتها، التي يعد لاهوتها وفنها أعجب ضروب الرومانسية قاطبة. ولكن روسو أنضج البذار في مستنبت عواطفه الدافئ، وأسلم لنا الثمرة مكتملة النمو خصبة منذ مولدها، وفي "الأحاديث" و "العقد الاجتماعي" و "أميل" و "الاعترافات".
ولكن ما الذي سننيه بالحركة الرومانتيكية؟ تمرد الزجدان على الفكر، والغريزة على العقل، والعاطفة على الحكم، والذات على الموضوع، والنزعة الذاتية على الموضوعية، والوحدة على التجمع، والخيال على الواقع، والخرافة والأسطورة على التاريخ، والدين على العلم، والتصوف على الشعائر، والشعر والنثر الشعري على النثر والشعر النثري، والفن القوطي المحدث على الكلاسيكي المحدث، والأنثوي على الرجولي، والحب الرومانسي على زواج المصلحة، و "الطبيعة" و "الطبيعي" على المدنية والتكلف، والتعبير العاطفي على الضوابط العرفية، والحرية الفردية على النظام الاجتماعي، وتمرد الشباب على السلطة، والديموقراطية على الأرستقراطية، والإنسان في