مواجهة الدولة- وباختصار، تمرد القرن التاسع عشر على الثامن عشر، أو بعبارة أكثر تحديداً، الفترة ١٧٦٠ - ١٨٥٩ على ١٦٤٨ - ١٧٦٠: هذه كلها أمواج للمد الرومانتيكي العظيم الذي اكتسح أوربا فيما بين روسو وداروين.
ولقد وجد كل من هذه العناصر تقريباً في روسو تعبيراً وتأييداً، ووجد بعض الدعم في حاجات العصر وروحه. ذلك أن فرنسا كانت قد ملت الفكر الكلاسيكي والانضباط الأرستقراطي. فأتاح تمجيد روسو للوجدان تحرراً للغرائز المكبوتة، والعاطفة المكظومة، والأفراد والطبقات المظلومة. وأصبحت "الاعترافات" كتاب الوجدان المقدس كما كانت "الموسوعة" العهد الجديد لعصر العقل. ولا يعني هذا أن روسو رفض العقل، فهو على العكس وصفه بأنه عطية إلهية، وقبله حكماً نهائياً (٧٧)، ولكنه أحس أن نوره البارد في حاجة إلى دفء القلب ليلهم العمل والعظمة والفضيلة. وأصبحت "الحساسية" شعار النساء والرجال .. وتعلم النساء الإغماء، والرجال البكاء، بأسرع من ذي قبل، وتذبذبوا بين الفرح والحزن، ومزجوا الاثنين في دموعهم.
وقد بدأت الثورة "الروسوية" على صدور الأمهات، هاتيك الصدور التي آن الآن أوان تحريرها من عقال المشدات؛ على أن هذا الجانب من الثورة كان أصعب جوانبها، ولم يعقد له النصر إلا بعد أكثر من قرن تراوح فيه الحبس والإفراج. وبعد نشر "أميل" أرضعت الأمهات الفرنسيات أطفالهن، حتى في دار الأوبرا، وفيما بين الألحان (٧٨). وأطلق الطفل من سجن أقمطته، وقام أبواه على تربيته بأنفسهم. فإذا التحق بالمدرسة حظي بالتعليم "على طريقة روسو" في سويسرا أكثر منه في فرنسا، ولما كانت النظرة للإنسان الآن تعده خيراً بطبيعته، فإن التلميذ وجب أن ينظر إليه لا على أنه عفريت صغير مشاكس بل ملاك رغباته هي صوت الله. ولم تعد حواسه تدان لأنها أدوات الشيطان، بل تعد أبواباً للخبرات المنيرة ولمئات المباهج البريئة. ووفقاً للنظرة الجديدة لا تعود حجرات الدرس سجوناً. أما التعليم فيجب أن يجعل طبيعياً وساراً بتفتيح حب الاستطلاع