والقوى الفطرية وتشجيعها. واما حشو الذاكرة بالحقائق، وخنق الفكر بالعقائد القطعية، فيجب أن يحل محلها التدريب على فنون الإدراك الحسي، والحساب، والتفكير. ويجب أن يتعلم الأطفال من الأشياء لا من الكتب كلما أمكن- من النبات في الحقل، والصخور في التربة، والغيوم والنجوم في السماء. وقد حفز التحمس لأفكار روسو التربوية بستلوتزي ولافاتير في سويسرا، وبازدوف في ألمانيا، وماريا مونتسوري في إيطاليا، وجون ديوي في أمريكا؛ و "التربية التقدمية" هي جزء من تراث روسو، وقد نشأ فريدرش فروبل نظام رياض الأطفال في ألمانيا، ومنها انتشر في العالم الغربي طولاً وعرضاً.
ثم أدركت الفن نفحة من الإلهام الروسوي. فقد أثر تمجيد الطفولة في جروز ومدام فيجيه- لبرون، وعكست لوحات الفنانين من المدرسة السابقة- للرفائيلين في إنجلترا تمجيد العاطفة والغموض. وأعمق من هذا أثر روسو في الأخلاق والسلوك. فطرأ المزيد من دفء الصداقة ووفائها، ومن التضحيات والاهتمامات المتبادلة. واقتنص الحب الرومانسي الأدب وشق طريقه إلى الحياة. واستطاع الأزواج الآن أن يحبوا زوجاتهم دون هزء بالتقاليد؛ واستطاع الآباء أن يحبوا أبناءهم، وأصلح ما فسد من الأسرة، "كان الناس يغضون عن الخيانة الزوجية، أما روسو فقد جرؤ على اعتبارها جريمة"(٧٩). صحيح أنها استمرت، ولكنها لم تعد أمراً لا غنى عنه. وحل محل الإعجاب الأعمى بالمحظيات الشفقة على المومسات. وقاوم احتقار العرف طغيان الأتيكيت. وارتفعت سمعة الفضائل البورجوازية، كالاجتهاد، والاقتصاد، وبساطة العادات واللباس. وعما قليل ستطيل فرنسا "الكيلوت"(السراويل القصيرة) إلى سراويل طويلة وتصبح "صان- كيلوت"(متطرفة) في زيها كما هي في سياستها. وقد ساهم روسو مع البستنة الإنجليزية في تغيير الحدائق الفرنسية من رتابة طراز النهضة إلى المنحنيات الرومانتيكية والأركان الفجائية، وأحياناً إلى فوضى برية و "طبيعية". وانطلق الرجال والنساء من المدينة إلى الريف، وزاوجوا