المرحلة الثانية ظفرت الطبقات الوسطى بالتحكم في الثورة، وكانت عميقة التشرب بأفكار الفلاسفة، ولكن المعنى الذي فهمته من "المساواة" كان مساواة البورجوازي بالأرستقراطي. وفي المرحلة الثالثة انتزع الرياسة زعماء غوغاء المدينة. وظلت جماهير الشعب متمسكة بالدين، ولكن زعماءهم كانوا قد فقدوا احترامهم للقساوسة والملوك؛ وأحبت الجماهير لويس السادس عشر إلى النهاية، ولكن زعماءهم ضربوا عنقه. وبعد ٦ أكتوبر ١٧٨٩، سيطر اليعاقبة على باريس، وكان روسو إلاههم. وفي ١٠ نوفمبر ١٧٩٣ احتفل المتطرفون الظافرون بعيد العقل في كاتدرائية نوتردام. وفي تور أحل الثوار تماثيل جديدة تسمى مابليه، وروسو، وفولتير محل تماثيل القديسين. وفي شارتر عام ١٧٩٥، في الكاتدرائية الشهيرة، افتتح عيد العقل بدراما أظهر فيها فولتير وروسو متحدين في حملة على التعصب (١٣٣).
لا سبيل إلى الشك إذن في أن الفلاسفة أثروا تأثيراً عميقاً في أيديولوجية الثورة ودرامتها السياسية. أنهم لم يقصدوا إلى العنف، أو التقتيل، أو الجيلوتين؛ ولو قد شهدوا هذه المناظر الدموية لاقشعروا رعباً، ولربما قالوا بحق إنه قد أسئ فهمهم على نحو قاس، ولكنهم كانوا مسئولين بقدر ما استخفوا بأثر الدين والتقاليد في ضبط الغرائز الحيوانية للبشر. وكانت الثورة الحقيقية أثناء ذلك ماضية في طريقها في ظل تلك الآراء الأخاذة والأحداث المرئية، إذ انتزعت الطبقات الوسطى من الأرستقراطية والملك التسلط على الاقتصاد والدولة، متذرعة بالفلسفة أداة من مائة أداة أخرى في بلوغ غايتها تلك.