الدين الجديد الذي يحاول أن يسد الفراغ العاطفي الناشئ من فراق الآلهة فهو دين الوطنية، كما أن الدين الجديد في الروسيا هو الشيوعية. لكن هذه العقيدة في الوقت الحاضر لا ترضى كافة الناس، ولهذا ترى الكثيرين من صعاليك المدن يعمدون إلى العرافين والمتنبئين والوسطاء ليجدوا عندهم ملجأ من كدح الحياة اليومية الرتيب الذي لا لذة فيه ولا طرافة، ولا يزال القرويون يجدون بعض ما يسليهم عن فقرهم ويفرج عنهم كربهم في سكون المزارات القديمة. والقانون الأخلاقي القديم الذي كان الناس منذ جيل واحد يظنونه قانوناً سرمدياً لا يتبدل آخذ في التفكك والانحلال بسرعة تتضاعف ثم تتضاعف على مدى الأيام بعد أن فقد حماية الحكومة والدين والحياة الاقتصادية. وأهم ما طرأ على الصين من تبدل في هذه الأيام، إذا استثنينا ما أحدثه فيها الغزو الصناعي، هو تحطيم نظام الأسرة القديمة لتحل محله نزعة فردية تترك كل إنسان حراً يواجه العالم بمفرده، وقد استبدل الولاء للدولة من الوجهة النظرية بالولاء للأسرة. وإذ كان هذا الولاء الجديد لم ينتقل الآن من طور الأقوال والنظريات إلى طور الأعمال فإن المجتمع الجديد يعوزه الأساس الخلقي الذي يستند إليه. إن الزراعة يلائمها نظام الأسرة لأن الأرض، قبل انتشار الآلات، كانت تستغل أحسن استغلال على أيدي جماعة من الناس تربطهم الدين والسلطة الأبوية. أما الصناعة فتمزق الأسرة لأنها تعطي العمل والجزاء عليه للأفراد لا للجماعات، ولا تعطيهم هذا الجزاء دائماً في مكان معين، ولا تعترف بأن للضعفاء حقاً في مال الأقوياء، ولا يجد التعاون والتراحم الطبيعيين القائمين بين الأسرة سنداً من التنافس المرير الذي هو من طبية الصناعة والتجارة؛ وترى الجيل الجديد الذي ينفر على الدوام من سلطان الشيوخ يهرع عن عمد إلى المدينة وفردية المصنع، ولعل سلطان الأب القوي في الزمن الماضي قد عجل بالانقلاب لأن الرجعية هي التي يرجع إليها على الدوام إسراف المتطرفين. وهكذا انتزعت الصين نفسها من ماضيها واستأصلت