وكان لبعضها تأثير تاريخي، مثل كراسة الأبيه سبيس "ما الطبقة الثالثة" أو كراسة كامي دمولان "فرنسا الحرة". حتى إذا جاء يوليو من عام ١٧٨٩ وجدنا الصحافة أعظم قوة في فرنسا. وقد وصفها نكير في ١٧٨٤ بأنها "قوة غير مرئية تملي أوامرها على المدن والمحاكم على السواء، وحتى في قصور الملوك، رغم أنها بلا مال، وبلا سلاح، وبلا جيش"(٧٨). ولعبت الأغاني دوراً في الدعوة والتحريض، وقد وصف شامفور الحكومة بأنها ملكية مقيدة بالأغاني الشعبية (٧٩).
وطوى تيار الثورة شامفور نفسه فانتقل من كونه "شخصاً مرضياً عنه" في البلاط إلى المشاركة في اقتحام الباستيل. وقد ولد لبدال ريفي (١٧٤١)، وقدم إلى باريس وكسب قوته بالحيلة والظرف. وكانت النساء يسكنه ويطعمنه لا لشيء إلا للاستمتاع بإثارة حديثه، وقد كتب عدة مسرحيات، أبهجت إحداها ماري أنطوانيت كثيراً فأقنعت الملك بأن يمنحه معاشاً قدره ألف ومائتا جنيه. وعين سكرتيراً لأخت للويس السادس عشر، وتلقى راتباً إضافياً قدره ألفا جنيه في العام. وبدا أن كل شيء يربطه بالقضية الملكية، ولكن في ١٧٨٣ التقى بميرابو، فما لبث أن انقلب لاذعاً للحكومة. وهو الذي اقترح على سبيس العنوان اللافت الذي وضعه على كراسته الشهيرة.
وفي هذه الأثناء، وبوحي من لارشفكوكو، وفوفنارج، وفولتير، دون بإيجاز وعلى عجلة "حكماً" أفصحت عن نظرته الساخرة إلى العالم. وقد قالت مدام هلفتيوس التي ظلت تستضيفه في بيتها بسيفر طوال سنين أربع "كلما جرى حديث بيني وبين شامفور في الصباح، كان الحزن يغمرني بقية اليوم"(٨٠). وقد رأى الحياة خدمة ينخدع بها الأمل "أن الأمل دجال لا يفتأ، يحتال علينا، أما أنا فإن سعادتي لم تبدأ إلا يوم طلقت الأمل"(٨١). "لو أن الحقائق القاسية، والاكتشافات المحزنة، وأسرار المجتمع-التي تتألف منها معرفة رجل الدنيا الذي بلغ الأربعين-عرفها هذا الإنسان نفسه وهو في العشرين، لأصابه اليأس، أو لبات إنساناً فاسداً عن عمد"(٨٢).