وغيرهما من ضروب شطط السلطة الملكية. وقد رفض الثورة كما رفضها معبوده فولتير لأنها دعوة إلى الفوضى وطغيان الرعاع.
وواصل دراسة أعمال فولتير طوال شتى الاضطرابات العارمة التي اكتنفته. وأدرك أزجه الشبه بينه وبين الشيخ-ولكن لعله لم يدرك البعد-: ذلك المركب الذي يجمع بين النشاط الذهني المحموم والدراية البارعة بأمور المال، وذلك الاحتقار للشكوك والوساوس الخلقية، وتلك الشجاعة في محاربة الظلم والمحن والشدائد. واعتزم أن يحفظ أعمال فولتير وينشرها طبعة جامعة كاملة. وكان على يقين من أن هذا غير ميسور في فرنسا حيث حظر الكثير من مؤلفات فولتير. لذلك ذهب إلى موريا وأخبره أن كاترين الثانية مزمعة إصدار طبعة فرنسية في سانت بطرسبيرج. وقال إن هذا سيكون وصمة عار على فرنسا، وأدرك الوزير المعنى المراد، ووعد بالإذن بتداول طبعة كاملة. وكان كتبي باريسي يدعى شارل-جوزف بانكوك قد حصل على حقوق طبع مخطوطات فولتير التي لم تنشر، فاشتراها بومارشيه بمبلغ ١٦٠. ٠٠٠ فرنك. ثم جمع كل ما وجده من مؤلفات فولتير المنشورة، واستورد حروف باسكرفيل الطباعية من إنجلترا، واشترى مصانع للورق من الفوج. وظفر بكوندورسيه معلقاً ومترجماً لفولتير. واستأجر حصناً قديماً في كيل، عبر الرين من ستراسبورج، وركب المطابع، وأخرج طبعتين رغم مئات المحن والشدائد، إحداهما في سبعين مجلداً من قطع الثمن، والأخرى في اثنين وتسعين مجلداً من القطع الإثني عشري (١٧٨٣ - ٩٠). وهذا أضخم مشروع طباعي حاوله إنسان حتى ذلك التاريخ في أوربا، بما في ذلك "الموسوعة". وطبع بومارشيه خمسة عشر ألف مجموعة وهو يتوقع بيعاً عاجلاً لها، فلم يبع منها غير ألفين، ومن جهة بسبب الحملات التي شنها البرلمان والأكليروس على المشروع (١٣٠)، ومن جهة ثانية بسبب الاضطرابات السياسية في ١٧٨٨ - ٩٠، ومن جهة ثالثة لأن قلقة مركز الناس المالي منعتهم من شراء المجموعة الغالية الثمن-وزعم بومارشيه أنه خسر في هذه المغامرة مليوناً من الجنيهات. على أنه أخرج أيضاً طبعة من أعمال روسو.