جوريه يقول "لو لم يكن في المجتمع الفرنسي في القرن الثامن عشر مساوئ غير تلك البقايا التافهة لذلك النظام (الإقطاعي)، لما دعت الحاجة لثورة تشفي هذا الجرح المتقرح، ولكان اختزال الحقوق الإقطاعية تدريجياً وتحرير الفلاحين كفيلاً بإحداث التغيير بطريقة سلمية (٩).
وكان أبرز ملامح طبقة النبلاء الفرنسيين اعترافها بالذنب، إذ لم يقتصر الأمر على انضمام الكثير من النبلاء إلى جماعة الفلاسفة في رفض اللاهوت القديم، بل أن بعضهم كما رأينا سخر من امتيازات طبقتهم التي عفا عليها الزمن (١٠). وقبل الثورة بسنة عرض ثلاثون نبيلاً أن يتنازلوا عن امتيازاتهم الإقطاعية المالية (١١). وكلنا يعرف مثالية الشاب لافاييت الذي لم يكتف بالقتال دفاعاً عن أمريكا بل حال عودته إلى فرنسا خاض بقوة ذلك الكفاح في سبيل الإصلاح السلمي. وقد ندد بالرق، ورصد جانباً من ثروته ليعتق العبيد في جيانا الفرنسية (١٢). وفشا الجهر بالمبادئ اللبرالية، والدفاع عن الإصلاح، في شطر من الأرستقراطيين لا سيما حاملات الألقاب مثل النبيلات لا مارك، ودبوفليه، ودبريين، ودلكسمبور. ولعب مئات من الأشراف والأساقفة دوراً نشيطاً في الحملات التي شنت لتحقيق المساواة في الضرائب، والحد من الإسراف الحكومي، وتنظيم أعمال البر، وإنهاء السخرة (١٣). وبذل بعض الأشراف، كدوقة بوربون، معظم ثروتهم للفقراء (١٤).
على ان هذا كله لم يكن إلا حيلة لطيفة فوق الواقع الواضح للعيان، وه وأن طبقة النبلاء الفرنسيين لم تعد تستأهل قوتها. صحيح أن كثيرين منهم حاولوا الاضطلاع بمسئولياتهم التقليدية، غير أن المفارقة بين التبطل المترف الذي يرتع فيه الإقطاعيون الأثرياء وبين شظف العيش الذي تعانيه الجماهير أشرفت غير مرة على المجاعة، أثارت العداء والاحتقار. وقبل ذلك بزمن مديد أصدر رجل، كان هو نفسه نبيلاً عظيماً، حكم الإعدام على طبقته، فلنستمع إلى رينيه-لوي دفواييه، مركيز دارجنسون، وزير الدولة (١٧٤٤ - ٤٧) يكتب حوالي ١٧٥٢: