وقد ابتكر الفرنسيون بعض الاختراعات المذهلة في هذه السنين. ففي ١٧٧٦ رفه المركيز جوفروا عن الجماهير المحتشدة على نهر دوب بمنظر قارب تحركه آلة بخارية، وذلك قبل أن يبحر زورق فولتن "كليرمونت" التجارية في نهر هدسن ذهاباً وإياباً. بل أدهش من هذا كانت الخطوات الولى في غزو الفضاء. ففي ١٧٦٦ أثبت هنري كافندش أن للهيدروجين كثافة أقل من الهواء، واستنتج جوزف بلاك أن كيساً يملأ بالهيدروجين يستطيع الصعود إلى الجو. وعكف جوزف وإتيين مونجولفييه على تجاربهما على هدى المبدأ القائل بأن الهواء تقل كثافته إذا سخن؛ وفي ٥ يونيو ١٧٨٣، في انونيه قرب ليون، ملأ بالوناً بالهواء المسخن، فارتفع إلى علو ألف وستمائة قدم، ثم هبط بعد عشر دقائق حين برد هواؤه. وصعد بالون مملوء بالهيدروجين صممه جاك-الكسندر شارل من باريس في ٢٧ أغسطس ١٧٨٣ على مشهد من ٣٠٠. ٠٠٠ متفرج يهتفون له، فلما هبط على بعد خمسة عشر ميلاً مزقه حشد من القرويين إرباً زاعمين أنه عدو مغير من الجو (٢٥). وفي ١٥ أكتوبر قام جان-فرانسوا بيلاتر دروزييه بأول طيران مدون للإنسان، مستخدماً بالوناً كبالون مونجولفييه به هواء مسخن، واستمر صعوده أربع دقائق. وفي ٧ يناير ١٧٨٥ طار الفرنسي فرانسوا بلانشار، والفيزيائي الأمريكي جون جفريز، في بالون من إنجلترا إلى فرنسا. وبدأ الناس يتحدثون عن الطيران إلى أمريكا (٢٦).
وزكت مدن فرنسا خلال هذا العهد الحاسم بعد أن غذتها الصناعة والتجارة. فكانت ليون تشغى بالحوانيت والمصانع والمشروعات. وذهل آرثر ينج لفخامة بوردو. وأصبحت باريس الآن مركزاً تجارياً أكثر منه سياسياً، فكانت بمثابة القلب لمجمع اقتصادي يهيمن على نصف عاصمة فرنسا، ومن ثم على نصف اقتصادها. وكان يسكنها عام ١٧٨٩ نحو ٦٠٠. ٠٠٠ نسمة (٢٧). ولم تكن وقتها مدينة ذات جمال رائع، وقد وصف فولتير الكثير منها بأنه جدير بالقوط والفندال (٢٨). وقال بريستلي الذي زارها في ١٧٧٤: "لا أستطيع الزعم بأنه قد راعني شيء منها غير اتساع