العمائر العامة وبهائها، وفي مقابل هذا ساءني كثيراً ضيق أكثر الشوارع وقذارتها ونتنها" (٢٩). ومثل هذا الوصف كتبه ينج:
أن تسعة أعشار الشوارع قذر، وكلها خلو من أرصفة المشاة. والمشي-الذي تجده في لندن غاية في الإمتاع والنظافة بحيث تمارسه السيدات يومياً-هو هنا كد وعناء للرجل، وضرب من المحال على المرأة الأنيقة الثياب .. وعربات الركوب كثيرة، وأسوأ من ذلك كثيراً ذلك العدد الهائل من "الكبريلات" التي يجرها حصان واحد ويسوقها الفتيان العصريون ومقلدوهم. بسرعة فائقة … تجعل الشوارع بالغة الخطر … وقد لطخني أنا نفسي رشاش الوحل غير مرة"(٣٠).
وأخذت طبقة من العمال الكادحين "برولتاريا: تتشكل في المدن كبيرها وصغيرها، رجال ونساء، وأطفال لقاء أجر بأدوات ومواد ليست ملكاً لهم. ولا يتوافر لدينا إحصاء عنهم، ولكن قدر عددهم في باريس عام ١٧٨٩ بـ ٧٥. ٠٠٠ أسرة، أو ٣٠٠. ٠٠٠ فرد (٣١). وكان هناك أعداد كبيرة بهذه النسبة في آبفيل، وليون، ومرسيليا. وكانت ساعات العمل طويلة والأجور ضئيلة، لأن حكماً أصدره برلمان باريس (١٢ نوفمبر ١٧٧٨) حظر على العمال تنظيم أنفسهم. وقد ارتفعت الأجور ما بين عامي ١٧٤١ و١٧٨٩ اثنين وعشرين في المائة، وارتفعت الأسعار خمسة وستين في المائة (٣٢)، ويبدو أن حال العمال تدهور في عهد لويس السادس عشر (٣٣)، فلما قل الطلب، أو اشتدت المنافسة الأجنبية (كما حدث في ١٧٨٦)، طردت أعداد كبيرة من العمال فأصبحوا كلا على البر والإحسان. وكادت آلاف الأسر تموت جوعاً عندما ارتفع ثمن الخبز، الذي كان قوام نصف طعام الجماهير الباريسية (٣٤). وكان ثلاثون ألف شخص يتلقون الإغاثة العامة في ليون عام ١٧٨٧، واشتد فقر ثلثي سكان رامس في ١٧٨٨ عقب أحد الفيضانات، وفي باريس عام ١٧٩١ قيدت مائة ألف أسرة على أنها معوزة (٣٥). وكتب مرسييه حوالي ١٧٨٥ يقول "أن عامة الشعب في باريس ضعاف الأبدان صفر الوجوه صغار الأجسام معوق النمو وكأنهم طبقة تفردت عن سائر الطبقات في الدولة (٣٦).