طبقة الفلاحين-في ثكنات الجيش، وصوامع الرهبان، وقصور الأشراف، وحجرات الانتظار الملكية. يضاف إلى هذا كله ذلك التقلص المدمر الذي أصاب الإيمان في صدق كنيسة كانت قد ساندت الأوضاع الراهنة وحق الملوك الإلهي، وبشرت بفضائل الطاعة والاستسلام، وكدست قدراً هائلاً من الثروة المحسودة في الوقت الذي لا تستطيع الحكومة أن تعثر فيه على وسيلة لتمويل واجباتها المتسعة. ثن انتشار الإيمان بـ "قانون طبيعي" يتطلب عدالة إنسانية لكل عاقل دون نظر للمولد أو اللون أو العقيدة أو الطبقة، وبـ "حالة طبيعية" معطاءة كل الناس فيها متساوون، فضلاء أحرار، سقطوا منها نتيجة لنمو الملكية الخاصة، والحرب، والقانون الذي يزجه لخدمة الطبقة المميزة، أضف إلى هذا ظهور وتكاثر المحامين والخطباء المستعدين للدفاع عن الوضع الراهن أو مهاجمته، ولإثارة مشاعر الشعب وتنظيمها، وتكاثر كتاب النشرات وضراوتهم، والنشاط السري للأندية السياسية، وطموح الدوق أورليان إلى التربع على عرش فرنسا مكان ابن عمه.
ثم أجمع هذه العوامل كلها معاً في حكم ملك لطيف خير ضعيف متردد حيره تشابك الصراعات من حوله، والدوافع المتضاربة في داخله، واتركها تفعل فعلها في شعب أشد وعياً بمظالمه، وأحر عاطفة وأقبل للإثارة وأخصب خيالاً من أي شعب آخر تقريباً وعاه التاريخ، ثم لا يلزم لضم هذه القوى وتأجيجها لتحدث انفجاراً ممزقاً إلا حادث يمس الجماهير، ويتغلغل تغلغلاً أعمق من الفكر في أقوى غرائز البشر. وربما كانت هذه هي وظيفة قحط عام ١٧٨٨ ومجاعته، وشتاء ١٧٨٨ - ٨٩ القاسي. لقد تنبأ المركيز دجيريدان في ١٧٨١ بأن "الجوع وحده سيولد هذه الثورة الكبرى"(٦٩). وقد وصل الجوع إلى الريف، وإلى لندن، وإلى باريس، وأنشب في الجماهير أظافره في ضراوة تكفي للتغلب على التقاليد، والاحترام، والخوف، ولتوفير مطية لتحقيق أهداف وأفكار رجال ينعمون بالغذاء الطيب. وهكذا تحطمت سدود القانون والعرف والتدين، واندلع لهيب الثورة.