مارتن لوثر على سبيل المثال في مرحلة من مراحل تفكيره تحريم الربا، وفهم منها أوشينو جواز تعدد الزوجات. فلم يكن بدعا إذن أن يظهر من يفهموا منها خرافة التثليث. وقد أفاضت الكتب الأجنبية والعربية التي تناولت تاريخ أوروبا الحديث منذ عصر النهضة في الحديث عن التحرر الفكري وانتشار مبدأ أفكر لأعتقد، وليس العكس بمعنى أعتقد لأفكر، وظهور حركة إحياء العلوم وتطور الروح الفردية وما إلى ذلك.
كل هذا وغيره هيأ ومهد لظهور حركات إصلاحية دينية. وإذا كان الأوروبيون ينظرون لحركة لوثر كحركة إصلاح ديني، وإلى الحركة المناهضة للتثليث كحركة دينية يصفونها بالكفر والهرطقة ويضعونها في مكان أقل أهمية من الناحية الدينية فمن السخرية أن ننظر نحن المسلمون لهذه الحركة نظرتهم نفسها إليها.
ثانياً: أنه منذ النصف الثاني من القرن الخامس عشر، والقارة الأوروبية كلها عرضه لتأثيرات إسلامية واضحة، في مختلف المجالات لم تحظ بدراسة كافية، فقد وجدنا لورد أكتون يقرر بوضوح أن التاريخ الأوروبي الحديث يبدأ تحت مطارق العثمانيين. وقد أظهرت الوثائق الأوروبية التي راجع الكثير منها بعض الباحثين الأوروبيين أن كثيراً من المناطق الأوروبية كانت تستنجد بالعثمانيين إذ كان يطلب أهلها بأنفسهم الفتح العثماني تخلصا من حكم مسيحيين يخالفونهم في المذهب، أو مسيحيين يسومونهم سوء العذاب، فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أهل كريت توسلوا إلى العثمانيين لفتح ديارهم، كما يؤكد ذلك الباحث الغربي كولز. كما نظر أهل المورة للعثمانيين كمخلصين، بعد أن سئموا سيطرة البنادقة الكاثوليك. وقد كان وصول العثمانيين لساحل دلماشيا واستقرارهم فيه منذ القرن الخامس عشر، حدثا جللا أثر على سائر أنحاء أوروبا.
وكانت أوروبا كلها منذ منتصف القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن السابع عشر، وربما بعد ذلك تتابع الصراع بين المسلمين والكاثوليك، في البحر المتوسط خاصة، مع اختلاف وجهات نظرهم إزاء هذا الصراع بطبيعة الحال. فبينما كان عدد من البروتستنت (بعد ظهور البروتستنتية) يرى في إسبانيا الكاثوليكية حامية للمسيحية بمذاهبها المختلفة، أو على الأقل لا يتمنى هزيمتها أمام العثمانيين، ومجاهدي البحر المتوسط. كان هناك عدد آخر من