البروتستنت يرى في الصراع بين المسلمين والكاثوليك الأسبان، صراعا بين شيطانين، ويتمنى أن يذهب كلاهما - المسلمون والكاثوليك - إلى حيث لا عودة. وفي وقت من الأوقات كان البروتستنت يجدون في مناطق أوروبا الشرقية الخاضعة للعثمانيين ملجأ وملاذا لهم هروبا من الاضطهاد الديني.
فإذا ما تركنا شرق أوروبا وانتقلنا إلى غربها، وجدنا حقائق أخرى مذهلة، أثبتتها الوثائق التي كشف عنها الباحثون الغريبون، وهي أن الشعب الإسباني كان معارضا لإخراج المسلمين بعد سقوط غرناطة، وأن أصحاب الأراضي والأعمال ظلوا متمسكين بالعاملين المسلمين لديهم، حتى مطلع القرن السابع عشر، وأن طرد المسلمين كان عملا كنسيا خالصا، وأن الشعب الإسباني كان متعاطفا فقط مع إخراج اليهود لاشتغالهم بالربا وامتصاصهم دماء الشعب الإسباني. ويهمنا في هذا الصدد أن عدد كبيرا من المسلمين الأسبان قد خرجوا عبر البرانس إلى الأراضي الفرنسية ولاقوا في سفرهم هذا نصبا، وقد تمركزوا في سواحل فرنسا الجنوبية حيث رحلوا بعد ذلك إلى الشمال الإفريقي، وانضم عدد كبير منهم إلى حركة مجاهدي البحر المتوسط.
أبقي بعد هذا شك في أن أوروبا في مطلع العصور الحديثة لا بد أن تكون تأثرت بالفكر الإسلامي، أو على الأقل اطلعت عليه، بشكل أكثر وضوحاً؟ فقد غدا الإسلام بالنسبة لأوروبا بعد سقوط القسطنطينية وتمركز المسلمين في شرق أوربا، أقرب إليها من حبل الوريد، كما أن طبيعة العصر أتاحت لأكبر عدد ممكن من الباحثين والمثقفين، بل والناس العاديين، معرفة أمور عن الإسلام، ما كانت لتتاح لهم معرفتها قبل ذلك. كل هذا يجعلنا لا نستبعد وجود تأثيرات إسلامية على الحركات الإصلاحية الدينية الأوروبية عامة، والحركة الأوروبية المناهضة للتثليث خاصة.
بقي القول إن أحد الباحثين العرب المتخصصين في تاريخ أوروبا الحديث قد أشار إلى: "وجوب أن يكتب التاريخ الأوروبي الحديث من وجهة نظر إسلامية عربية تماما كما يكتب الأوروبيون تاريخنا الإسلامي من وجهة نظرهم. فمن غير المنطقي أن نسمي بالهرطقة ما يسمونه هرطقة ففي هذا تبعية، وبعد عن الأصالة. ولو أخذنا بهذا المنطق، لباركنا حركة