للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجال الدين المسيحي، وبسبب هذا التركيز لم تحظ الثورة الفرنسية بالدراسة المتأنية الشاملة الحصيفة في عالمنا العربي، لأسباب لا تخفى، وهذا الكتاب يسد هذه الثغرة. وإذا كان مما زاد من أهمية الكتاب أن مؤلفه قد كتبه وهو في السبعينيات من عمره، فلعلّ مما يزيد من أهمية هذه الترجمة أن المترجم قد أنجزها وهو في الخامسة والخمسين من عمره، وأظنه سنا يسمح بالبحث عن المعاني وعدم الاكتفاء بظاهر الحرف أو الكلمة.

بقي الحديث عن مصطلح آخر أسيء نقله إلى العربية أيضاً، ذلك أن الفرنسيين في هذه الفترة كانوا يطلقون لفظ philosophes أو الفلاسفة تجاوزا، على طائفة من الخطباء والمثقفين والأدباء ليسوا بالضرورة "فلاسفة" بالمعنى الضيق للكلمة philosophers، ومن هنا فترجمة المصطلح philosophes في هذه الفترة بالذات لا يعني أكثر مما نعنيه بقولنا "مفكرين" أو "مثقفين" .... الخ.

وقد نبه إلى هذا بعض من كتب عن الفلسفة الفرنسية، وهاك قبسٌ ممن نبهوا على ذلك:

ينبغي أن يقال في مبدأ الأمر أنه لا الفلسفة تنفصل عن ضروب النشاط الإنساني الأخرى، ولا فرنسا تنفصل عن غيرها من الأمم. والواقع أن القرن الثامن عشر الفرنسي حين أطلق اسم الفلاسفة على رجال كانوا في حقيقة الأمر أدباء أكثر منهم فلاسفة، فإنه جعلنا نشعرـ عن حق تماما ـ بأن الفلسفة ليست مجالا مقصورا على أشخاص محترفين. وعلى هذا ينبغي أن يحسب أي تاريخ للفلسفة الفرنسية حسابا لأدباء عظام من أمثال مونتيني وروسو.

وتاريخ الفلسفة الفرنسية لا ينفصل ـ بخاصة ـ عن تاريخ العلم، فديكارت ـ مثلا ـ لا يمكن أن يفهم دون الرجوع إلى العلم في عصره، وإلى جاليليو، كما لا يمكن أن يفهم فولتير دون نيوتن، أو بوترو Boutroux دون هنرى بوانكاريه Henri Poincare .