بسبب ثقافتهم ومعرفتهم تياراً جديداً في البرجوازية المحلية. وتوجه مئة وخمسون ألفاً نحو الشمال، إلى فرنسا. عاد ثلاثون ألفاً منهم، فقط، إلى بلاد المغرب العربي أو إيطاليا عن طريق البحر، وكان هؤلاء من الأغنياء الذين يملكون نفقات السفر. أما الباقون، مئة وعشرين ألفاً، فقد استقروا في الجنوب الفرنسي. توجد الكثير من المخطوطات التي تتحدث عن هذه الحلقة من التاريخ الإسلامي، الفرنسي. كتب الماركيز فوسل إلى ملك فرنسا:" يعلم جلالتكم أن جميع لاجئي إسبانيا المسلمين قد عبروا الحدود، يصل عددهم إلى مئة وثلاثة وثلاثين ألفاً".
وفي مذكرة أرسلها الماركيز فيزيو إلى الملك، نستطيع أن نقرأ:"اليوم،٢٨ كانون الأول/ديسمبر ١٦١٠، وصلتني رسالة من الماركيز دوسان جيرمان الذي يبحث عن وسائل لنقل عدد المسلمين الأندلسيين الذين يتمنون اللجوء إلى فرنسا". وفوراً، أصدر الملك أوامره باستقبال هؤلاء القادمين، كلاجئين وليس كغزاة، استقبالاً حسناً … "
ويلاحظ القارئ أن الثورة الفرنسية كانت حريصة على أن يكون لها ثلاثة شعارات (حرية وإخاء ومساواة) وكان ذلك لإحلالها محل الأقانيم المسيحية الثلاثة (آب وابن وروح قدس) وكانت حريصة على التخلص من التقويم المرتبط بميلاد المسيح عليه السلام، فابتدعت تقويما جديداً، كما كانت حريصة على إقامة مهرجانات لتوقير الكائن الأسمى أو الموجود الأعلى Supreme being، وبعض الثوار مزقوا الأناجيل. وتحدثوا عن "خرافات" العهدين القديم والجديد، وبالغ بعضهم في ذلك، وفي وقت من الأوقات شكلت لجان لضبط السلوك، وجرت محاولة لإغلاق بيوت الدعارة … لقد كانت لجانا شبيهة بلجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنها لم تستمر فقد كانت هناك قوى أخرى ذات بأس أشد. نخلص من هذا إلى أن الثورة الفرنسية كانت في جانب من جوانبها استمرارا لحركة الإصلاح الديني التي انطلقت في أوروبا منذ القرن السادس عشر، وأن عداوة الثوار للكنيسة كانت أكثر بكثير من عداوتهم للملكية، وقد عادت الملكية بالفعل، وطالب بها كثيرون، لكن الكنسية لم تعد أبداً لسابق هيمنتها، ولم تسترد أبداً أموالها وأوقافها.
وركز الباحثون العرب على معاداة الثوار للملكية، لكنهم أغفلوا الشق الثاني والأهم وهو امتعاضها من الإكليروس أو