للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(حياة الرهبنة) قد فقدت بريقها، فطائفة الرهبان البنيدكتيين Benedictines الذين بلغوا في فرنسا في سنة ١٧٧٠ م، ٦٤٣٤ راهبا قد تقلص عددهم في سنة ١٧٩٠ ليصبح ٤٣٠٠، وفي سنة ١٧٨٠ كانت تسع [أخويات] دينية (روابط أو تجمعات قائمة على أسس دينية) قد حلّت، وفي سنة ١٧٧٣ كان جماعة الجزويت Jesuits (جماعة يسوع) قد تفككت وتدهورت أحوال الدين بشكل عام في المدن الفرنسية، فكانت الكنائس في كثير من المدن نصف خاوية،

وفي الريف زاحمت العادات الوثنية والخرافات القديمة عقائد الكنيسة وطقوسها، مزاحمةً فعالة. وعلى أية حال فقد كانت الراهبات لا يزلن يكرسن أنفسهن لتعليم الدين والتمريض بحماس، وكن يحظين بتقدير الأغنياء والفقراء على سواء. وحتى في هذا العصر المتسم بالنزوع للشك والاتجاهات العملية كان هناك الآلاف من النسوة والأطفال والرجال الذين استعانوا على قسوة الحياة بالتقوى فراحوا يعزون أنفسهم بحكايات القديسين وراحوا يخففون من حدة أيامهم الرتيبة المرهقة بممارسة الشعائر في الأعياد الدينية، وفي الاسترخاء، ووجدوا في الآمال الدينية ملاذاً يلوذون به ضد ما اعتراهم من ارتباك وقنوط.

وكانت الدولة تدعم الكنيسة لأن رجال الحكم بشكل عام كانوا متفقين على أن رجال الدين (الإكليروس) إنما يقدمون لهم عوناً لا غنىً عنه لحفظ النظام الاجتماعي. فقد كان رجال الدين (الإكليروس) يرون أن الاختلاف الخلْقي Natural بين الناس فيما يتمتعون به من مواهب، يجعل مما لا مناص منه أن تختلف حظوظهم من حيث الثراء، فقد بدا مهما لطبقة الملاك أن يستمر رجال الدين في تقديم نصائحهم للفقراء، تلك النصائح التي تحثهم على الإذعان المسالم لقاء دخول الفردوس تعويضا لهم عما يلاقون. وكان مما يعني كثيرا لفرنسا أن نظام الأسرة - وهو النظام الذي يدعمه الدين ويكثف أهميته - ظل كمرتكز للاستقرار الوطني في أثناء التقلبات كلها التي شهدتها الدولة.

وأكثر من هذا فقد جرى الحث على الطاعة باستخدام عقيدة الحق الإلهي للملوك - سواء في تعيينهم ملوكا أم في مباشرتهم لسلطاتهم. وكان رجال الدين يغرسون هذه العقيدة في نفوس الناس، وشعر الملوك أن هذه الخرافة (الحق الإلهي للملوك) كانت عوناً ذا قيمة غالية لهم لضمان سلامتهم