في جعل الحكمة الفضيلة التي لا فضيلة سواها، ورسم الطرق المؤدية إليها في ذلك الكتاب العجيب الذي أسماه "التراث" أو العهد العقلي الذي خلَّفه لأسرته عند موته:
"الحياة شبيهة برحلة طويلة يحمل فيها الراحل حملاً ثقيلاً، فاجعل خطاك وئيدة ثابتة، حتى لا تتعثر، واقنع نفسك بأن النقص والتعب هما نسيج الحياة الطبيعي عند من تفنى حياته، ولن يكون في حياتك ما يمد لك في سبيل السخط أو اليأس فإذا ما نَزَتْ في قلبك نزوات الطموح، فتذكر أيام الشقاء البالغ حده الأقصى، التي اجتزتها في ماضي حياتك؛ فالصبر هو أس السكينة والطمأنينة إلى الأبد؛ انظر إلى السخط نظرتك إلى عدوك؛ فإذا اقتصر علمك على كيف تَهزِم، ولم تعلم كيف تنهزم، فالويل لك، ويا سوء سبيلك في الحياة الدنيا؛ فاكشف عن الخطأ في نفسك قبل أن تكشف عنه في سواك"(٥٤).
أما وقد ظفر لنفسه بالسلطان بقوة السلاح، فقد قرر أن اليابان لم تعد بها حاجة إلى مواصلة الحروب، وكَرَّسَ نفسه للنهوض بما يقيم السلام من وسائل وفضائل، ولكي يباعد بين "الساموراي"(أي حملة السيف) وبين عاداتهم العسكرية، شجعهم على دراسة الأدب والفلسفة والخلق الفني، وهكذا ازدهرت الثقافة في اليابان في ظل حكمه الذي نشره في ربوع البلاد؛ وتدهورت الروح العسكرية، وقد كتب يقول:"إن الشعب هو أساس الإمبراطورية"(٥٥). واستثار في قلوب خلفه الرحمة والرأفة "بالأرمل والأرملة واليتيم ومن لا أنيس له" لكنه لم يتصف بالميول الديمقراطية، حتى لقد ذهب إلى أن أفدح الجرائم جميعاً هو العصيان، "فالزميل" الذي يخرج على صفوف الزملاء من طبقته، لابد من الفتك به فور ساعته، ولا مندوحة من قتل أسرة الثائر بأسرها (٥٦)، ومن رأيه أن النظام الإقطاعي هو أفضل