نظام يمكن وضعه لبني الإنسان كما هم في حقيقة طبائعهم، لأنه يهيئ اتزاناً معقولاً بين السلطة المركزية والسلطة المحلية، كما يقيم نظاماً طبيعياً وراثياً تتسق به الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وهو كذلك يضمن استمرار المجتمع دون أن يتعرض لسلطان الحاكم المستبد، ولا بد لنا من الاعتراف هنا بأن "أيياسو" قد نظم في بلاده أكمل صورة عرفها الإنسان لحكومة تقوم على نظام الإقطاع (٥٧).
وهو- ككل سياسي آخر- قد فكر في الدين على أنه أداة للنظام الاجتماعي قبل أن يكون أي شيء آخر، وأحزنه أن يرى أن اختلاف الناس في عقائدهم الدينية قد قضى على نصف هذا الخير الاجتماعي بما أحدثته العقائد المتعادية من فوضى؛ وقد كانت العقيدة التقليدية للشعب الياباني- وهي خليط مضطرب من الشنتوية والبوذية- كانت هذه العقيدة التقليدية من وجهة نظره السياسية الخالصة، رباطاً بالغ القيمة يربط الجنس الياباني في وحدة روحية ونظام خلقي وولاء وطني، وهو على الرغم من أنه نظر إلى المسيحية بادئ ذي بدء بعين التسامح وبأفق عقلي فسيح كاللذين عرفا عن "أكبر" في (الهند) وأبى أن يفرض عليها ما كان يفرضه عليها "هيديوشي" من أوامر يعلن بها غضبه منها، إلا أنه عاد فضاق بها صدراً لتعصبها، ولاتهامها القاسي للديانة القومية بأنها وثنية، وما أحدثته بتعصبها الجامح من شحناء لم تقتصر على أن تكون بين المعتنقين المسيحية وبقية أفراد الأمة، بل امتدت فدبت بين معتنقي الديانة الجديدة أنفسهم (١)؛ ثم ثار في صدره السخط آخر الأمر
(١) حدث سنة ١٥٩٦ أن أرغمت القوارب اليابانية سفينة أسبانية على الرسو في ميناء يابانية، وساقتها عمداً إلى موضع صخري فتحطمت نصفين، ثم استولى الحاكم المحلي على ما بها على أساس أن القانون الياباني يبيح لأولي الأمر أن يضعوا أيديهم على كل السفن التي تلجأ مضطرة إلى شواطئ اليابان، فثارت ثائرة الربان "لانديكوا" واحتج عند وزير "هيديوشي" وهو "ماسودا"- وكان وزيراً للأشغال- فسأله "ماسودا" كيف أمكن للكنيسة المسيحية أن تظفر بكل ما ظفرت به من أقطار فتخضعها لرجل واحد، ولما كان "لانديكو" بحاراً قبل أن يكون سياسياً، أجاب: "إن ملوكنا إذا ما أرادوا فتح قطر من الأقطار بدءوا بإرسال المبشرين الدينيين يدعون الناس إلى الدخول في ديانتنا، حتى إذا ما وفقوا إلى شيء من النجاح، أرسلت الجنود لتنضم إلى من اعتنقوا المسيحية من أهل البلاد، وبعدئذ لا يجد ملوكنا كبير عناء في إتمام ما بقي".