وخلال العامين الأوليين من الثورة راح الثمانمائة ألف (سكان باريس) يمارسون أعمالهم المفيدة، ولا يلتفتون إلا بين الحين والحين لما يجري في الجمعية الوطنية والسجون. لقد كانت الحياة مبهجة بما فيه الكفاية في ذلك الوقت بالنسبة للطبقات العليا؛ فقد استمرت الأسر في تبادل الزيارات والدعوة إلى الولائم، واستمر حضور الحفلات الراقصة، وغير الراقصة، والمسرحيات والذهاب لسماع الكونشرتات حتى خلال فترات العنف بين مذابح سبتمبر سنة ١٧٩٢ وسقوط روبيسبير في يوليو سنة ١٧٩٤ عندما جرى في هذه الفترة إعدام ٢،٨٠٠، كانت الحياة التي يحياها - تقريبا - كل من بقوا على قيد ا لحياة تسير سيرها المعتاد في العمل واللهو، والممارسات الجنسية والحب الأبوي.
لقد كتب سيباستيان ميرسييه Sébastian Mercier في سنة ١٧٩٤:
"الأجانب الذين يقرءون صحفنا يتصورون أننا جميعا قد غرقنا في الدم وغطتنا الأسمال البالية، ونعيش حياة ملؤها البؤس. لكنهم سيدهشون عندما يعرفون أن الطريق الرائع الذي تحفه الأشجار في الشامب إليزيه Champs Elysees (ميادين الإليزيه) حيث توجد في الجانب المقابل منه المركبات الخفيفة الأنيقة التي تجرها الجياد (الحناطير) والنسوة الجذابات الجميلات .. هذه الحدائق الباهرة، أصبحت الآن أكثر بهاء وأجمل من ذي قبل".
وكانت هناك مباريات رياضية في الكرة والتنس والركوب، وسباق الخيل، وألعاب القوى … وكان هناك متنزهات شائقة مثل حدائق التيفولي Tivoli حيث يمكنك التمتع، وشراء الكماليات من (البوتيكات) ومشاهدة الألعاب النارية والبهلوانات وهم يمشون على الحبال، أو إطلاق البالونات، وسماع (الكونشرتات) أو أن تضع صغيرك في الحلقة الدوارة (الأرجوحة الدوارة)، وستجد معك في هذه المتع اثني عشر ألفا آخرين في أيام المرح. ويمكن أن تجلس في مقهى أقيم في الهواء الطلق أو تحت سرادق مقهى دي فوي Cafe de Foy أو في إحدى مقاهي الطبقة الراقية مثل مقهى تورتوني Tortoni أو مقهى فراسكاتي Frascati أو تتبع السائحين إلى النوادي الليلية مثل السافو Caveau (القبو) والسوفاج (الوحشي Sauvage) ومقهى العميان Les Aveugles حيث يلتقي الموسيقيون العميان.