فشيئا حلت الطبقة الوسطى الصاعدة محل النبلاء كمشترين للأعمال الفنية. وازدحم صالون سنة ١٧٩٥ بالمشاهدين، وقد عمر هذا الصالون بخمسمائة وخمس وثلاثين لوحة. لقد ارتفعت أسعار الأعمال الفنية.
من المستغرب أن نقول إن الثورة لم تحدث أية حركة راديكالية في مجال الفن. بل العكس، فالإلهام الذي قدمه للكلاسيكية الجديدة هو النبش والتنقيب عن التماثيل والعمائر القديمة في نابلي، وكتابات فنكلمان Winckelmann (١٧٥٥ وما بعدها) وليسنج Lessing (١٧٦٦) قد عملت على إحياء الأسلوب الكلاسيكي بكل ما فيه من مضامين أرستقراطية. وردة الفعل هذه ثبت أنها من القوة بحيث تتصدى للتأثيرات الرومانسية، والديمقراطية المنبعثة من الثورة. لقد قبل الفنّانون في هذه الفترة المتزنة (باستثناء برودون Prud'hon) نظريةً وتطبيقا الصيغ الكلاسيكية والنبيلة كلها التي تشير للنظام والشكل والاتساق والفكر والعقل باعتبارها حارسا يحول بين التعبير الفني، واعتماده على الانفعال والعاطفة والحماسة والفوضى. وقد راعى الفن في ظل لويس الرابع عشر هذه القواعد القديمة التي توخاها كونتيليان Quintilian وفيتروفيوس Vitruvius وتوخاها كورنيل Corneille وبوالو Boileau، لكن في ظل لويس الخامس عشر ولويس السادس عشر وجد الفنانون راحتهم في الباروك وأنسوا إلى الركوكو rococo ومع مشاعر روسو المتحفظة ومشاعر ديدرو المؤيدة بدا أن عصر الرومانسية أصبح قريب التناول. لقد كان هذا في المجالين السياسي والأدبي، لكنه لم يكن في مجال الفن.
وفي سنة ١٧٧٤ اتجه جوزيف مارى فين Joseph Marie Vien إلى إيطاليا بعد أن زاد شوقه للاطلاع على حفائر هيركولانيوم وبومبي بعد أن وصلته تقارير عنها، وقد اصطحب جوزيف معه تلميذه جاك لويس ديفيد لكن الشاب (ديفيد) وقد وقف نفسه لفكر الثورة عزم على ألا يجعل الفن المحافظ والأرستقراطي الذي يتجلى في الآثار الكلاسيكية، يضله أو يبعده عن هدفه. لكن شيئا ما في داخله كان يتحكم فيه جعله يستجيب لعظمة التكوين ومنطق البناء وقوة الخط ووضوحه، كما تتجلى في الفن الإغريقي والروماني.