أما الروح العامة للشعب فقد كانت تحتضر خوفاً من الثورة والحرب وبسبب الشك في كل زعيم وبسبب التشاؤم لعدم تحقّق الآمال، بينما كانت هذه الروح في سنة ١٧٨٩ قد بلغت ذُرى الوطنية والشجاعة. لقد كان مثل هذا الموقف يتطلب فنّ إدارة شؤون الدولة، لا دهاءً سياسياً، ويتطلب حسماً دكتاتورياً (كما تنبّأ مارا وحثّ من قبل) لا مناقشات ديمقراطية تَتَّسم بالترف في جمعيات فارغة - لقد كان المطلوب مزاوجة بين الرؤية الرحّبة والفكر الهادف والعمل المضني والبراعة مع البصيرة وإرادة آمرة. وقد انطبق كل هذا على نابليون.
وفي أوّل اجتماع لهؤلاء القناصل المؤقتين اقترح سييس أن يكون نابليون - ذلك الجنرال ذو الثلاثين عاماً - هو الرئيس (القنصل الأوّل) لكن نابليون استرضى سييس بترتيب الأمر بحيث يتولّى الرياسة كل واحد منهم على التعاقب، واقترح - أي نابليون - أن يكون سييس هو المسئول الأوّل عن صياغة الدستور الجديد. وعكف هذا المنظِّر القديم على دراسته وترك نابليون (مع دوكو اللطيف المسالم) لإصدار المراسيم لضمان حُسن سيرْ الإدارة، وتحسين أداء الخزانة بتطوير قدرتها على الوفاء بديونها، وتهدئة النزاعات واكتساب ثقة الشعب الذي أزعجه اغتصاب السلطة بالقوة.
وكان أوّل ما قام به القنصل الأول أنه ارتدى زيَّاً مدنياً مُتواضعاً مُحتشماً وطرح لباسه العسكري. لقد كان عليه أن يكون هو الفتى الأول فوق خشبة مسرح الأحداث. لقد أعلن عن نواياه بمجرد تأسيس الحكومة الجديدة مقترحاً شروط السلام مع إنجلترا والنمسا. وكان طموحه في بواكير فترة حكمه هذه هو طمأنة فرنسا وتقويتها لا إجبار إنجلترا على التسليم. لقد كان نابليون في هذا الوقت هو من أسماه بِت Pitt ابن الثورة ومضمّد جراح فرنسا الناتجة عن النزاعات الداخلية، ومخطط رخائها الساعي لاستتباب السلام. ابن الثورة الذي هو إفراز من إفرازاتها، وحاميها، والعامل على الاحتفاظ بما حققته من مكاسب اقتصادية، لكنه أيضاً كان واضحاً في إبداء رغبته في إنهاء الثورة.
لقد أسعد البورجوازية عندما أصدر في ١٧ نوفمبر سنة ١٧٩٩ قراراً بنفي ثمانية وثلاثين شخصاً كانوا مصدر خطر على الأمن العام (وكان نابليون لا يستغني عن الدعم