الدستور إنما هي حكومة تُسلِّم الثورة .. بشكل متملق للبورجوازية. وكان العديد من الجنرالات في حالة دهشة فَلِمَ لم يختر القدر واحداً منهم ليتسنم الذروة السياسية بدلاً من هذا الكورسيكي Corsican التافه (نابليون) ومن أقوال نابليون أنه ليس من جنرال من هؤلاء الجنرالات إلا وتآمر ضدي وحزن الكاثوليك لأن الدستور أقر مصادرة الثورة لممتلكات الكنيسة، وعم الاضطراب مرة أخرى منطقة الفندي Vendee (١٨٠٠) . والملكيّون تملكهم الغيظ لأن نابليون قد رسخ وضعه بدلاً من أن يدعو لويس الثامن عشر ليعتلي عرش البوربون Bourbon .
وبدأ الملكيّون في شن حملات صحفية رافضين الحكم الجديد وساعدهم على ذلك أنهم كانوا يسيطرون على معظم الصحف. وقد رد نابليون على هذه الحملات (١٧ يناير سنة ١٨٠٠) بوقف ستين صحيفة من ثلاث وسبعين صحيفة كانت تصدر في فرنسا في ذلك الوقت بحجة أنها تتلقى أموالاً من دول أجنبية. وتم تقليص الصحافة الراديكالية أيضا وأصبحت جريدة المونيتور (المرشد أو المعلم Moniteur) هي الجريدة الرسمية الناطقة باسم الحكومة. وأدان الصحفيون والكتاب والفلاسفة هذا التعدي على حرية الصحافة، والآن تحقق أمل مدام دي ستيل لتلعب دور إيجيريا Egeria (الناصحة) فبدأت هجوماً ضارياً استمر طوال حياتها ضد نابليون واصفة إياه بأنه دكتاتور وَأَدَ الحرية في فرنسا.
وكانت صحيفة المونيتور هي اللسان الناطق بالدفاع عن نابليون. لقد قالت أنه لم يدمر الحرية، وإنما كان هذا أمراً قائماً بالفعل بسبب الحاجة إلى حكومة مركزية لأغراض الحرب، وبسبب تلاعب اليعاقبة بالانتخابات، ودكتاتورية الجماهير المشاغبة، وتوالي الانقلابات في الأعوام التي تولت فيها حكومة المديرين الحكم، وما كان قد تبقى منها (الحرية) تمرغ في أوحال الرشوة السياسية والفساد الأخلاقي.
إن الحرية التي وَأَدَها (صَلَبها) نابليون كانت هي حرية الجماهير بعدم الالتزام بالقانون، حريتهم في ارتكاب الجرائم والسرقة والقتل، حرية الدعاية الغوغائية في الكذب وحرية القضاة في تقاضي الرشاوى وحرية رجال المال في