الراين وشاطئه الشمالي، فقد أصبحت البضائع البريطانية لا تجد سبيلها - إلى حد كبير جدا - لأسواق فرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا والدنمرك ودول البلطيق وروسيا. وأغلقت إيطاليا موانئها في وجه التجارة البريطانية. وكانت اسبانيا متذمرة بسبب جبل طارق، وكان نابليون يكوّن جيشاً ويبني أسطولاً لغزو إنجلترا.
وحاربت إنجلترا عن مؤخرتها، وربحت من تغيّر اتجاه الأحداث، لقد دمر أسطول بريطانيا أسطولاً دنمركياً في ميناء كوبنهاجن (في ٢ أبريل سنة ١٨٠١). وَخَلَف القيصر بول الأول، القيصر اسكندر الأول الذي غيَّر سياسة سلفه نحو فرنسا، وأدان غزو نابليون لمصر واعترف بالسيادة الإنجليزية على مالطة بعد أن كانت في يد الفرنسيين. ووقع مع إنجلترا معاهدة في ١٧ يونيو سنة ١٨٠١، وهكذا انهارت العصبة الثانية للحياد العسكري، ومع هذا فإن توقف الازدهار الاقتصادي في بريطانيا وتضخم الجيش الفرنسي في بولونيا وانهيار النمسا رغم المعونات المالية الباهظة التي قُدمت لها - كل ذلك جعل إنجلترا تجنح للسلم.
ففي أول أكتوبر سنة ١٨٠١ وقَّع مفاوضوها اتفاقاً مبدئياً تتعهد فيه فرنسا بتسليم مصر إلى تركيا (الدولة العثمانية)، وأن تُسلم بريطانيا جزيرة مالطة في ظرف ثلاثة أشهر لفرسان القديس يوحنا وكان لابد أن تستعيد كل من فرنسا وهولندا وأسبانيا معظم مستعمراتها التي سُلبت منها، وكان على فرنسا أن تسحب كل قواتها من وسط إيطاليا وجنوبها. وبعد سبعة أسابيع من المناقشات وقعت بريطانيا العظمى وفرنسا معاهدة السلام في أمين Amiens - تلك المعاهدة التي طال انتظارها - في ٢٧ مارس سنة ١٨٠٢. وعندما وصل ممثل نابليون إلى لندن بالوثائق مصدقة أخذت الجماهير السعيدة بألجمة خيوله وسحبت العربة إلى وزارة الخارجية وسط هتافات عاشت الجمهورية الفرنسية! عاش نابليون.
وكانت الجماهير الفرنسية مفعمة حماساً شاكرة وممتنة للرجل الشاب (نابليون) الذي لم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره، والذي وضع - بألمعيّة - نهاية لحرب استمرت عشر سنين. لقد سبق أن اعترفت أوروبا كلها بمقدرته كجنرال، وهاهي ترى الآن أن هذا العقل الصافي نفسه، وهذه الإرادة الراسخة، تتألقان في مضمار الدبلوماسية أيضاً. ولم تكن أمين