للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعهد العلمي في وضع نظام للتعلم على مستوى الأمة الفرنسية. وجرى تقنين القوانين، وأصبح للقانون مكانته، وبلغت الإدارة درجة الامتياز وجنحت للأمانة.

وأصبحت باريس مرة أخرى - كما كانت في عهد لويس الرابع عشر - عاصمة السياحة في أوروبا. ونسي مئات من الإنجليز الرسوم الكاريكاتيرية الكثيرة التي كانت تهزأ بنابليون وتسخر منه في الصحف البريطانية فقطعوا الطرق الوعرة وعبروا القنال لإلقاء نظرة على التمثال ضئيل الحجم (المقصود نابليون) الذي تحدى القوى العظمى وفرض عليها السلام.

وأتى إليه عدد من أعضاء البرلمان الإنجليزي من مختلف الاتجاهات، ليس أقلهم رئيس الوزراء السابق والذي شغل المنصب بعد ذلك مرة أخرى: تشارلز جيمس فوكس الذي زاره في أغسطس سنة ١٨٠٢، والذي سبق له أن بذل جهوداً مضنية لفترة طويلة لتحقيق السلام بين الإنجليز والفرنسيين. واعترت الدهشة الأجانب للرخاء الذي حطَّ على فرنسا بهذه السرعة بعد وصول نابليون للحكم. وقد وصف دوق بروجلي Broglie الأعوام من ١٨٠٠ إلى ١٨٠٣ بأنها أفضل صفحات الحوليات الفرنسية وأكثرها نبلاً.

٣/ ١ - المدوَّنة القانونية النابليونية: ١٨٠١ - ١٨٠٤ م

The Code Napoleon

استغرق نابليون في ذكرياته فقال:

"إن عظمتي الحقيقية ليست في المعارك الأربعين التي خضتها وأحرزتُ فيها النصر، ذلك لأن هزيمتي في واترلو Waterloo ستمحق ذكرى هذه الانتصارات .. أما ما لا يمكن محقه، وما سيبقى أبد الدهر فهو مدوَّنتي القانونية ".

إن كلمة أبد الدهر ليست ذات طابع فلسفي، فهذه المدونة هي بالفعل أعظم إنجازاته. لقد أجبر الطيشُ والفسادُ اللذان لا ينضب معينهما المجتمعَ - بشكل دوري - على تحسين طرائقه لحماية نفسه من العنف والسرقة والغش والخداع، واقتضى هذا إعادة صياغة هذه الطرائق. وكان جستنيان Justinian قد حاول ذلك في سنة ٥٢٨ للميلاد، لكن مجموعة قوانينه المدنية التي سجلها رجال القانون في عهده كانت موجودة بالفعل ولم يتعد عملهم تنسيقها ولم تكن في غالبها بناءً قانونياً جديداً يهدف إلى تغيير المجتمع واجتثاث سلبيات كانت فيه.

أما المشكلة بالنسبة لفرنسا فكانت مضاعفة لأن كل محافظة (دائرة) كان لها قوانينها الخاصة