عن روما. أما بالنسبة للاأدريين (المتشككين) فحاول نابليون تهدئتهم بأن شرح لهم أنه إنما يريد أن يجعل الكنيسة أداة حكومية لاستمرار السلام الداخلي. لكنهم خشوا أن يكون اقتراحه خطوة أخرى في طريق التراجع من الثورة إلى المَلكية (بفتح الميم). ولم يغفر نابليون أبداً للالاند Lalande (الفلكي) رغبته في إدراج اسم نابليون في قاموس الملحدين في اللحظة ذاتها التي فتح فيها - أي نابليون - باب المفاوضات مع بلاط روما البابوي وذلك على حد ما ذكره بوريين سكرتير نابليون.
وقد بدأت هذه المفاوضات في باريس في ٦ نوفمبر سنة ١٨٠٠ واستمرت عامرة بالمناورات طوال ثمانية أشهر، فقد كان الكاردينالات دبلوماسيين متمرسين لكن نابليون كان يعلم رغبة البابا الشديدة في الوصول إلى اتفاق ورغبته في تقديم كل ما هو في صالح سلطته على الكنيسة. لقد قدم البابا بيوس السابع Pius VII تنازلاً إثر تنازل لأن الخطة المقترحة عرضت إنهاء عقد من الكنبات التي ألمت بالكنيسة الفرنسية. ولأن هذه اللحظة تتيح له عزل كثيرين من الأساقفة الذين سبق وهزءوا بالسلطة الباباوية، وستمكنه - بمساعدة التدخل الفرنسي - من التخلص من الجيش النابولي الذي يحتل عاصمته، وستعيد للبابوية المفوَّضيات (فيرارا Ferrara وبولونيا Bologna ورافينا - التي عادة ما كان يحكمها سفراء باباويون papal Legates) التي انتقل حكمها إلى فرنسا في سنة ١٧٩٧.
وأخيراً بعد جلسة استمرت حتى الساعة الثانية صباحاً وقع ممثلو كنيسة روما، وممثلو الدولة الفرنسية في ١٦ يوليو ١٨٠١ الاتفاق (الكونكوردات) الذي حكم العلاقات بين فرنسا والباباوية طوال قرن من الزمان. وصدَّق نابليون على الاتفاق في شهر سبتمبر، وصدَّق عليه البابا بيوس السابع في ديسمبر. وعلى أية حال فإن نابليون وقّع مع النص the proviso ما يفيد أنه قد يُقر فيما بعد بعض "الإجراءات لمنع ما قد ينشأ من تفسير حرفي متعنّت لهذا الاتفاق" (الكونكوردات Concordat) .
وهذه الوثيقة التاريخية ألزمت الحكومة الفرنسية بالاعتراف بالكاثوليكية كدين للقناصل الحاكمين وكدين لأغلبية الشعب الفرنسي (وبالتالي ألزمتها بتمويلها أي الإنفاق على مؤسساتها) ولكنها - أي هذه الوثيقة التاريخية - لم تجعل الكاثوليكية دين الدولة