أنه لم يشغل منصبه (منصب الباباوية) إلاَّ من قِبَل الرَّب، ومعنى هذا أن الحاكم الذي يكرسه البابا بمسحه بالزيت إن تحدث فغالباً ما يكون حديثه باسم الرّب. أي فكرة تساعد على تسهيل مهمة الحاكم أكثر من هذه؟ ثم أليس هذا المسح بالزيت سيضع نابليون في مصاف الحكام الأوروبيين حتى ولو كان لهم جذور عميقة في السلطة تمتد من الماضي حِقَباً؟
لهذا فقد أوكل إلى دبلوماسييه مهمة حث البابا بيوس السابع Pius VII للقيام بخطوة غير مسبوقة لباريس بتتويج ابن الثورة والتنوير باعتبار هذا نصراً للكنيسة الكاثوليكية على الثورة والتنوير. ثم أَلَن يكون مفيداً لقداسته (قداسة البابا) أن يستحوذ على أفضل القادة الحربيين في أوروبا وأكثرهم ألمعية ليكون مدافعاً عن المؤمنين؟ وعارض بعض الكاردينالات هذا العرض باعتباره تدنيساً للمقدسات، لكن بعض الايطاليين الماكرين اعتقدوا أن هذا سيكون نصراً كاملاً ليس للدين فحسب وإنما لإيطاليا أيضاً "إننا بهذا سنضع أسرة حاكمة إيطالية على عرش فرنسا لتحكم البرابرة، إننا بهذا سننتقم لأنفسنا من غال Gauls " وربما كان البابا أكثر عملية: إنه سيوافق على أمل إعادة أمّة تائبة مرة أخرى إلى طاعة البابا واستعادة المناطق التي كانت تابعة للباباوية والتي استولت عليها جيوش فرنسا.
وراح نابليون يستعد لهذا النصر المشترك كما لو كان يستعد لحرب كبرى، فكلّف من يقومون بدراسة مراسم الحكم القديم (الملكي) وتعديلها وإضفاء مزيد من التفاصيل والمبالغات عليها. وتم التخطيط للمواكب والمسيرات كما لو أن المخطط لها مدير فرقة راقصة وتم تحديد وقت كل تحرّك. وتم تصميم أزياء جديدة لسيدات الحاشية وتجمع أفضلُ المصممين للقبعات النسائية حول جوزيفين Josephine وأمر نابليون بإحضار المجوهرات من الخزانة لها بالإضافة لما لديها من مجوهرات. ورغم اعتراض أمه وإخوته وأخواته قرَّر أن يتوّجها معه. وقام جاك - لويس ديفيد (داود) Jacque - Louis David - الذي كان عليه أن يخلِّد الحدث في أعظم لوحات ذلك الوقت - بتدريب جوزيفين وحاشيتها على كل حركة وكل وضع.
وتم الإغداق على الشعراء للاحتفاء بالحدث. وصدرت التعليمات لدار الأوبرا بإعداد رقصات الباليه التي تشرح صدر البابا. وجرت الترتيبات لحماية الشوارع الكبرى بالجنود،