الجيش العظيم (وفقاً لتسمية نابليون) وراح الناس في كل مدينة يمر بها يدعون له بالنصر لتحقيق مشروعه. وفي كل كنيسة تقريباً راح رجال الدين يحثون شباب الأمة على الانضمام إليه ليخدموا تحت راياته وراحوا يتلون من فقرات الأناجيل ما يفسرونه على أساس أن نابليون قد أصبح الآن في رعاية الله وتحت توجيهه المباشر.
ما أسرع ما أتى الكونكوردات Concordat (الاتفاق البابوي) بالثمار! وتعاونوا مع نابليون لترتيب أمر تمويل هذه العشرين ألف مركبة على طول الطريق، وعمد نابليون إلى الإسراع وإراحة الجند أثناء مرورهم عبر فرنسا. وركب هو نفسه مع جوزيفين إلى ستراسبورج التي أصبحت الآن مفعمة عاطفة وتلهفا وحبا، فقد كانت ثروتها معلقة أيضاً بكل رمية نرد (زهر). ووعد نابليون أنه خلال أسابيع قليلة سيكون سيِّد فيينا. وفي ستراسبورج ترك جوزيفين في رعاية ريموزا Remusat وأسرع إلى الجبهة.
وكانت إستراتيجيته - كالعادة - هي أن يُقَسّم جيش عدوه ويغزوه:
"أن يمنع الجيش النمساوي من التوحّد (من أن يشكل كُتلة مقاتلة واحدة)، وأن يُدمّر أو يُجمِّد القوات النمساوية قبل وصول القطيع الروسي (الجنود الروس) الذي يتوقع النمساويون وصوله لتقديم المساعدة، ثم يجتاح الجيش الروسي القادم مُحققاً النصر عليه مما سيُجبر أعداءه الأوروبيين على توقيع سلام مؤقّت على الأقل".
ورغم الأيام الكئيب نهارها الحالك سواد ليلها الممعن مطرها الغزير طينها وجليدها - نفذ جيش الراين ما أوكل إليه في المعركة على نحو شامل وأرسل من التوضيحات ما يدل على أن نابليون مدين لمارشالاته دَيْنا كبيراً.
وبعد أسبوع من المناورة وجد الخمسون ألف مقاتل التابعون للجنرال مارك أنفسهم في أولم Ulm محاصرون من ثلاث جهات بالمدفعية والفرسان والمشاة بقيادة دافو وسول Soult ومورا وني Ney واستحال عليهم التراجع عبر الدانوب خلفهم، وكانوا جوعى ينقصهم الطعام كما كانوا يعانون عجزاً في الذخيرة، وهدد الجنود النمساويون بالتمرد إذا لم يُسمح لهم بالاستسلام، فاستسلم ماك Mack بالفعل أخيراً في ١٧ أكتوبر سنة ١٨٠٥ فأسر الفرنسيون ثلاثين ألفاً من رجاله وأرسلوهم إلى فرنسا. لقد كان النصر الذي أحرزه الفرنسيون في هذه المعركة هو الأقل تكلفة والأكثر حسماً وأثراً في تاريخ الحرب. وانسل