ومن الواضح أنه كان يستطيع أن يكون شديد البأس إذا ما رأى أن السياسة تتطلب هذا، كما كان يغدو لطيفاً رقيقاً إن سمحت السياسة بذلك، فالسياسة عنده تأتي في المقام الأول. لقد أمر بسجن رجال كثيرين ومع هذا فقد سجل التاريخ له كثيراً من مظاهر التسامح أوردها فريديريك ماسون Frederic Masson في مجلّده. واتخذ إجراءات لتحسين أحوال سجون بروكسل لكن أحوال السجون الفرنسية في سنة ١٨١٤ كانت سيئة لا تتناسب مع الكفاءة العامة التي اتسم بها حكمه. لقد رأى آلاف القتلى في ساحة المعركة ومع هذا لم يتردد في خوض معارك أخرى، ومع هذا فقد سمعنا أنه غالباً ما كان يتوقف لإتاحة فترة راحة لجندي جريح ورآه فيري كونستان (قستنطين) Very Constant يبكي أثناء تناول إفطاره بعد عودته من عند سرير المارشال لان Lannes الذي أصيب بجروح مميتة في إسلنج Essling في سنة ١٨٠٩.
ولا جدال في سخائه واستعداده للعفو. لقد عفا كثيراً عن بيرنادوت وبوريين وعندما طلب منه كارنو Carnot وشينييه Chennier - بعد أن ظلاّ يعارضانه سنوات - أن ينقذهما من الفقر أرسل لهما - على الفور - ما يُعينهما. وفي سانت هيلانة التمس الأعذار لمن تخلّوا عنه في سنة ١٨١٣ أو سنة ١٨١٥. ولم يكن هناك إلاّ البريطانيون الذين ظل ممتعضاً منهم حتى النهاية بسبب عداوتهم المتواصلة له، فلم يكن يرى في بت Pitt سوى أنه مرتزق قاس، وكان غير منصف على نحو أبعد في رأيه في سير هدسون لو Hudson Lowe وكان من المحال عليه أن يرى ميزة في ولينجتون Wellington وكان عادلاً بدرجة كبيرة في تقويمه لنفسه: "إنني اعتبر نفسي رجلاً طيب القلب لقد قيل لنا أن الرجل مهما كان شأنه لا يمكن أن يعتبر بطلاً في نظر خادمه الخصوصي". لكن فيري كونستان Very Constant الذي ظل طوال أربعة عشر عاماً يعمل مع نابليون بهذه الصفة يسجل لنا في مذكراته التي شغلت عدة مجلدات إعجاباً يفوق الحد.
ولم يكن الذين نشئوا في رحاب الحكم القديم (ملكية ما قبل الثورة) وتشربوا عاداته الأنيقة ليتحملوا طريقة نابليون المباشرة الفظة في الحركة واللباس. لقد أثار سخرية مثل هؤلاء بمركبته التي يريد أن يؤكد بها ذاته على نحو أخرق، وبطريقته الخشنة في الحديث في