للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(أمنه الشخصي أو عدم إصابته أو وقوعه في يد العدو) الاعتبار الأول، وحتى هذا كان بناء على تقدير جنوده للموقف أكثر من كونه إجراء عملياً يتم تنفيذه فعلاً، ذلك أنه إن خطر في باله أنه من الضروري أن يعرّض نفسه للخطر فإنه لم يكن يتردد في ذلك كما حدث في أركول Arcole وأكثر من هذا فقد قرأنا عن مقاتلين قد قُتلوا وهم إلى جواره في موقعه الذي يشرف منه على المعركة.

لذا فقد كان يُرسل التعليمات لقيادات قواته في المشاة والمدفعية والفرسان عن طريق عسكر المراسلة الراكبين، ليعودوا إليه سِريعاً لإخباره بمجريات الأمور في كل جانب من جوانب مسرح العمليات، فقد كان نابليون يعتقد أن الجنود لا تكون لهم قيمة بشكل أساسي في المعركة إلاّ من خلال مواقعهم، والمناورة بهم. هنا - أيضاً - كان هدفه هو التركيز بزخم جنوده وكثافة نيرانه علي نقطة بعينها، وكان يفضل أن تكون هذه النقطة هي جناح جيش العدو على أمل بث الفوضى في صفوف قوات جيش العدو في هذا الجزء (الجناح) مما يؤدي لانتشاره (تشتته). فمن أقواله:

"في المعارك تأتي لحظة يشعر فيها أشجع الجنود - بعد أن يكونوا قد بذلوا أقصى المجهود - بالرغبة في الجري (ترك ساحة القتال) .. فالجيشان المتحاربان كيانان يلتقيان ويناور كل واحد منهما ليخيف الآخر، وتحدث لحظة الرعب، ولابد من استغلال هذه اللحظة والاستفادة منها".

وعندما يكون الإنسان قد اعتاد حضور العمليات العسكرية، يمكنه أن يتعرّف على هذه اللحظة ويحدّدها دون مشقّة. وكان نابليون سريعاً - على نحو خاص - في انتهاز مزايا هذه الفرص في تطور المعارك أو أنه إذا اعترى رجاله التردد، يقوم بإرسال التعزيزات، أو يغير خط العمليات أثناء المعركة، وقد أدى هذا إلى توفير يوم لصالحه في معركة مارينجو Marenego. لم يكن التراجع لفظاَ معروفاً في قاموسه قبل سنة ١٨١٢.

وكان من الطبيعي أن رجلاً طوَّر مثل هذه المهارة القيادية العسكرية أصبح يجد إثارة مُرعبة في الحرب. لقد سمعنا أنه يجعل المدنيين (غير العسكريين) في المحل الأول قبل الجنود، فقد كان يُعطي الأسبقية في بلاطه لرجال الدولة (المدنيين) ليأتي المارشالات بعدهم (في المقام الثاني) وعندما كان ينشأ صراع بين السكان المدنيين والعسكريين، فإنه كان يأخذ تلقائياً جانب المدنيين. لكنه لم يستطع أن يُزيل من نفسه أو من الآخرين الإحساس بأنه