وربما كان فتحه المجال لكل ذي موهبة ومقدرة هو أكثر عطاياه لفرنسا بقاءً. وكان نابليون يقضي على الفساد في الحياة العامة. وهذا وحده يكفي لتخليد ذكراه. لقد أعطى المثل - بكل معنى الكلمة - لرجل يكرس نفسه للإدارة إذا لم تدعُه الحربُ لميادينها. لقد أعاد صياغة فرنسا.
لماذا فشل إذن؟ ذلك لأن ما كان في حوزته فاق إمكاناته (استطاعته)، وخياله سيطر على طموحه، وطموحه تحكم في بدنه ونفسه وعقله وشخصيته. لقد كان عليه أن يعرف أن القوى المناوئة له لم تكن لترضى أبداً بترك فرنسا تحكم نصف أوروبا. لقد نجح - بشكل يمكن تحديده. في تخليص بلاد الراين الألمانية من إقطاع القرن التاسع عشر لكنه لم يكن بمستطيع - لا هو ولا أي رجل في عصره - أن يُدمج في فيدرالية دائمة منطقة طال عليها العهد وهي مقسمة إلى دول، كل دولة منها لها تراثها الحريصة عليه، ولها لهجتها الخاصة وعاداتها وعقيدتها وحكوماتها. ويكفي أن نذكر هذه الممالك المختلفة من الراين إلى فيستولا Vistula ومن بروكسل لنابلي لنحس بحجم المشكلة:
ممالك أو إمارات مثل هولندا، وهانوفر، ووستفاليا Westphalia والمدن الهانسياتية Hanseatic، وبادن Baden وبافاريا، وفيرتمبرج Wurttemberg وإيليريا Illyria والبندقية (فينيسيا) ولومبارديا Lombardy والولايات الباباوية والصقليتين - من أين له برجال أقوياء بالقدر الذي يكفي لحكم هذه المناطق، وفرض الضرائب على أهلها، وأخيراً لتجنيد أبنائهم لشن حروب ضد أمم أقرب إليهم من فرنسا؟
كيف يستطيع أن يفرض الوحدة بين هذه الدوائر الإضافية البالغ عددها أربعة وأربعين ودوائر فرنسا البالغ عددها ستاً وثمانون؟ أو كيف يستطيع أن يوحّد قسراً ستة عشر مليوناً من الأقوياء المعتزين بأنفسهم مع ستة وعشرين مليونا من الفرنسيين المتقلبين والمعتزين بأنفسهم أيضاً؟ ربما كان أمراً رائعاً أن يحاول ذلك لكن كان لابد أن يحالفه الفشل في هذه المحاولة. وفي خاتمة المطاف أطاح الخيال بالعقل. لقد تفرّق شمل هذا الكيان غير المستقر، وهزمت القوة الراسخة للشخصية الوطنية إرادة الدكتاتور الكبير.