دامت هذه الفكرة عنِّي هي السبب في الانضباط وحُسن النظام الذين أصبحا سائدين .. انظر هنا يا كولكينكور، إنني بشر، فمهما كان ما يقوله بعض الناس فإن لدي مثلهم أحشاء [أحشاء الرحمة] وقلب - لكنه قلب حاكم. إن دموع أرشدوقة لا تحركني. وإنما تحركني معاناة الناس".
ولا جدال أنه كان إمبراطوراً وأنه في غالب أحواله كان متنوراً، وفي غالب أحواله كان في عجلة مطلقة. لقد اعترف للاكاس: "الدولة أنا". وربما كان علينا أن نغفر له شيئاً من استبداده باعتباره إجراء معتاداً تقوم به الحكومات لضبط الاقتصاد الوطني والمسارح والمنشورات زمن الحرب. وقد شرح نابليون إحكامه الهيمنة على أمور البلاد باعتبارها أمراً ضرورياً في مرحلة الانتقال الصعبة من الحرية المتسيِّبة بعد سنة ١٧٩١ نتيجة وقائع الثورة، والنظام البنّاء في عهدي حكومتي القنصلية والإمبراطورية.
وقد استدعى نابليون لذاكرة الناس أن روبيسبير Robespierre - وكذلك مارا Marat - كان قد أوصى بالدكتاتورية كضرورة لإعادة النظام والاستقرار لفرنسا التي أشرفت على الانحلال والتفسّخ على صعيد الأسرة وعلى صعيد الدولة. ولم يشعر نابليون أنه دمَّر الديمقراطية، فما أزاحه في سنة ١٧٩٩ كان هو أوليجاركيّة oligarchy الفساد (جمهورية تسيطر عليها مجموعة فاسدة) والقسوة وعصبة من رجال لا ضمير لهم. لقد قضى على حرية الجماهير (الجموع) لكن هذه الحرية كانت تدمّر فرنسا بالاضطرابات التي كان يثيرها العامة، وبالتسيّب الأخلاقي، ولم يكن يمكن لفرنسا أن تستعيد قوتها كدولة متحضرة ومستقلة إلاّ بإعادة السلطة المركزية.
وحتى سنة ١٨١٠ لم يكن نابليون بمستطيع أن يتسامح مع نفسه لعدم صدقه في ادعائه الإيمان بالهدف الثاني للثورة الفرنسية وأعني به المساواة، لكنه آمن بمبدأ مساواة الجميع أمام القانون وعمل على نشر هذا المبدأ. فهو لم يفرض مساواة مستحيلة تجعل كل قدرات الناس واستحقاقاتهم على نحو سواء، وإنما أسس نسقاً من المساواة قوامه إتاحة الفرص - على نحو سواء - لكل الموهوبين وذوي القدرات بصرف النظر عن مكان مولدهم ليطوروا أنفسهم في مجتمع يُقدِّم للجميع دون مفاضلة فرص التعليم، والفرص الاقتصادية والحقوق السياسية،