وقريب من آرائه هذه - التي تعلمها في كورسيكا وفي ميادين القتال - ما كان يكرره كثيراً أن الناس لا يمكن دفعهم أو حكمهم إلاَّ بالتلويح بمصالحهم أو بإخافتهم أو بتعبير آخر لا يرضخون إلاّ خوفاً أو طمعاً. لذا فإنه عاماً بعد عام أصبحت مشاعره هذه هي أساس حكومته وعُمُدُها. ففي سنة ١٨٠٠ نصح الجنرال هيدوفيل Hedouville أنه ليقمع الاضطرابات في إقليم فندي Vendee عليه أن يحرق مدينتين كبيرتين - أو ثلاث - ويسويها بالأرض، على أن تكون هذه المدن في المناطق الأكثر إثارة للاضطراب، وذلك لتكون عِبْرة لغيرها. لقد علّمته خبرته (كقنصل أول) أن القسوة المروّعة هي أكثر الوسائل إنسانية ورحمة في ظل هذه الظروف التي تواجهها، فالضعف هو وحده القاسي وغير الإنساني.
وكان يوجه تعليمات لقضاته بإصدار أحكام قاسية. وقال لفوشيه إن فنّ الشرطة يعني أن نعاقب قليلاً لكن إن عاقبت فكن قاسيا ولم يكتف نابليون بالاعتماد على قوات كبيرة من الشرطة والمخبرين السريين تحت إدارة فوشيه أو ريجنييه Regnier، وإنما نظَّم هيئة إضافية للشرطة السرّية، مهمتها مساعدة فوشيه وريجنييه والتجسّس عليهما، وأن يكتب أفرادها تقارير له عن أية مشاعر معادية ضدّه (ضد نابليون) في الصحف أو المسارح أو الصالونات أو الكتب. ومن أقوال نابليون إن الحاكم عليه أن يشك في كل شيء. وبحلول عام ١٨٠٤ كانت فرنسا دولة بوليسية.
وبحلول عام ١٨١٠ أصبح فيها نماذج مصغرة لسجن الباستيل - سجون الدولة التي كان يمكن فيها احتجاز المعارضين السياسيين بناء على أوامر إمبراطورية دون أن يتم ذلك من خلال إجراءات قضائية نظامية. وعلى أية حال فلابد أن الإمبراطور كانت تبدر منه مبادرات الرحمة والعفو في عدة مناسبات. فقد أصدر كثيراً من مراسيم العفو حتى بالنسبة للذين تآمروا ليقتلوه، وأحياناً كان يخفف الأحكام الشديدة التي تصدرها المحاكم. لقد قال - وهو مستغرق في التأمل - لكولينكور في ديسمبر سنة ١٨١٢:
"إنَّهم يظنوني صارماً أو حتى متصلّب الفؤاد. هذا أفضل كثيراً، فهذا يجعل من غير الضروري أن أُثبت لهم ذلك. إنهم يظنون ثباتي (تصميمي) قسوة قلب. إنني لن أشكو ما