الخمسين من عمره نجده يتخلّى عن عقائد أقسم في شبابه ألا يتخلى عنها، ومن في الثمانين من عمره لا يبتسم ساخراً من وجهات النظر الناضجة التي قال بها في أواسط عمره؟ وبشكل عام فإن نابليون ظل محتفظاً باعتقاده في "وجود عقل كامن وراء العالم المادي أو كامن فيه" لكنه ينكر معرفته بأية معلومات عن طبيعة هذا العقل وهدفه.
لقد استقر رأيه وهو في سانت هيلينا على أن كل شيء يشهد بوجود الله لكن أن تقول من أين جئت؟ ومن أكون، وإلى أي مصير أنا صائر، فتلك كلها مسائل فوق مستوى الفهم وفي بعض الأوقات نجده يتحدث كالتطوريين الماديين materialistic evolutionist المادة كل شيء … فالإنسان ليس إلاّ موجوداً أكثر اكتمالاً من الحيوان، وأفضل منه تفكيراً ومن أقواله أن:
"الروح ليست خالدة، وإذا كان لابد أن نقول بشأنها قولا فقد وجدت قبل أن نولد"، ومن أقواله أيضاً:"إن كان لابد أن أتخذ ديناً لعبدتُ الشمس لأنها السبب في خصوبة كل شيء إنها الرّب الحقيقي للأرض"، ومن أقواله:"لقد كان يتحتم عليَّ أن أتخذ ديناً لو أنه وُجد مع بداية الكون. لكنني عندما أقرأ سقراط أو أفلاطون أو موسى أو محمد (المترجم؛ عليهما السلام) فإنني لا أزداد إيماناً، فكلها عقائد ابتدعها الناس".
لكن لماذا ابتدع الناس الأديان؟ يجيب نابليون:"لقد ابتدعوها ليريحوا الفقراء وليمنعوهم من قتل الأغنياء". ذلك لأن الناس قد ولدوا غير متساوين وزادت الفروق بينهم مع كل تقدم في مجال التكنولوجيا والتخصص، ولابد للحضارة أن تستنبط وسائل لمكافأة ذوي القدرات المتفوقة والاستفادة منهم وتطويرهم، ولابد أن تُقنع الأقل حظاً بأن يقبلوا بسلام هذا التفاوت في العوائد والممتلكات باعتباره أمراً طبيعياً وضرورياً. كيف يمكن أن يتم هذا؟ يجيب نابليون:"بالقول أن ما حدث إنّما هو إرادة الله ومشيئته، إنني لا أرى في الدين سر التجسّد بل سرّ النظام الاجتماعي". إن المجتمع لا يمكن أن يقوم إلاّ في ظل التفاوت