للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقل قيمة للإنسان من نشوة قلبه

التي تأتيه إذا ما شرب "الساكي".

لكن الشاي كان أكثر قدسية عند العلْية من "الساكي". فهذا النبات العجيب الذي نتغلب به على ما يفقده الماء من طعمه بعد الغلي، جاء إلى اليابان قادماً من الصين سنة ٨٠٥، لكنه إذ ذاك لم يصب نجاحاً، ثم جاءها مرة أخرى سنة ١١٩١ حيث استقر بها وأقام، فقد اجتنبه الناس أول الأمر باعتباره سماً لا ينبغي أن يقربوه؛ ولكن لما تبين للرجل من طائفة "السيافين" أن قليلاً من أقداح الشاي سرعان ما يرد إلى رأسه اتزانه بعد ما أصابه من دوار بسبب الإفراط في شراب "الساكي" ليلة البارحة، أخذ أهل اليابان يتبينون فائدة الشاي، ولقد أضاف ارتفاع ثمنه إلى سحره سحراً جديداً، فكان الناس يتهادون به ثمين الهدايا، بأن يتبادلوا الآنية الخزفية المليئة به؛ حتى لقد كان يُقَدَّمُ للمقاتلين جزاء ما أبلوا في أفعالهم الحربية الباسلة، فكان الذي يجود من هؤلاء بحيث يظفر بمنحة من الشاي، يجمع حوله الأصدقاء ليشاركوه هذا الشراب الملكي، ولقد جعل اليابانيون من شرب الشاي احتفالاً رشيقاً معقد الأوضاع، إذ وضع "ركيو" لذلك ست قواعد لا يجوز الخروج عليها، فارتفع شرب الشاي بفضل هذه القواعد الست إلى منزلة الطقوس الدينية، فمن قواعد "ركيو" هذا أن الدعوة التي توجه إلى الأضياف ليدخلوا قاعة الشاي، يجب أن تكون بالتصفيق بخشبتين معينتين؛ كما يجب أن يظل إناء الوضوء مليئاً بالماء الصافي، وإذا ما أحس ضيف من الأضياف بخطأ أو بنقص في أثاث المكان، وجب عليه أن يغادر من فوره دون أن يحدث بذلك ضجة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولا يجوز أن يغوص الحاضرون في حديث تافه، بل يجب عليهم ألا يطرقوا بالحديث إلا أموراً عالية جادة؛ ولا يجوز لأحد أن يفوه بكلمة واحدة مما يدل على غرور أو رياء، ثم لا يصح أن يستغرق الأمر أكثر من أربع ساعات،