للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البشرية على نحو لم يشهده العالم منذ غزوات البرابرة، فعلى جبهات القتال ومن ثم في العواصم تخلّى الحكّام عن الوصايا العشر. فقد كتب نابليون إلى الجنرال بيرثييه Berthier في سنة ١٨٠٩:

"الحرب تبرّر كل شيء، فلم يحدث أن استقر شيء - مطلقاً - إلاّ بالسيف وأن التحليل الأخير يشير إلى أن الحكومة لابد أن تتحلّى بالصفات العسكرية فبدون الجيش لا تكون دولة".

ولتعويد الشعب الفرنسي على هذه الأخلاقيات العسكرية عمد نابليون إلى استثارة حبهم للمجد. فالمجد la gloire أصبح حمّى وطنية يغمر الجميع بالوئام والحماس والطاعة. ومن هنا كان يحق لنابليون أن يقول إن حروب الثورة قد جعلت من كل الأمة الفرنسية نبلاء، وطوال عشر سنوات وبمساعدة حلفائه كان الشعب الفرنسي كأنه منوّم تنويماً مغناطيسيا وراح نابليون يوحي إليه بنشوة المجد. ولندع ألفرد دي موس Alfred de Musset الذي كان شاهداً للأحداث، يصف لنا الروح العامة في فرنسا في سنة ١٨١٠:

"لقد كان شباب هذا العصر يتنفّسون هواء في جو لا يعكر صفوه شيء، حيث يتألق المجد. كثير من المجد، وحيث تبرق السيوف. كثير من السيوف. لقد كانوا يعرفون جيداً أن قدرهم أن يكونوا ضحايا في مجزرة لكنهم كانوا ينظرون إلى مورا Murat كقائد لا يُغلب وللإمبراطور على أنه عبر الجِسْر والقذائف الكثيرة تنهمر من حوله مدوّية فراحوا يعجبون: أهو محصّن ضدّ الموت؟ وحتى الموت نفسه كان يبدو لهم جميلاً نبيلاً متألقاً في معركته المخضّبة بالدماء.

لقد استعار الموت لون الأمل. لقد حصد كثيراً من المحاصيل التي حان قطافها فأصبح شاباً. لقد ماتت الشيخوخة، فكل أَسِرَّة الأطفال في فرنسا وكل القبور كانت مسلّحة بالتروس، ولم يعد هناك شيوخ (عجائز) وإنما هناك جثث لأنصاف آلهة demi - gods وفي هذه الأثناء كان جنود نابليون على الجبهة يسرقون ويقامرون ويبتلعون مخاوفهم ليتمكنوا من النوم،

وكان ضباطه يسرقون بالقدر المتلائم مع مواقعهم: جمع ماسينا الملايين. ولم يكن ما جمعه سول Soult أقل كثيراً مما جمعه ماسينا Massena، وجوزيفين اللطيفة وجوزيف الرحيم ولوسيان Lucien الشجاع والعم الكاردينال فيش Fesch، كل