لا نتحدث عن باريس التي قالت عنها مدام دي ستيل:"أنه يتلاقى فيها كثيرون من رجال الفكر .. واعتاد عدد كبير منهم أن يزاوجوا بين مسرّات النقاش والقضايا الفكرية الجادة"
وقد ذكر نابليون للاكاس:"نقول الحق إن أشرنا للحساسية والذوق الرفيع اللذين يميزان سكان العاصمة الفرنسية؛ فلن تجد في مكان آخر غير باريس مثل هذه الفطنة وتلك الألمعيّة ومثل هذا الذوق ".
مئات المقاهي يتجمع الناس فيها بروح اجتماعية فيجلسون ويرتشفون مشروباتهم ويتبادلون الأخبار والنكات والقفشات الذكية السريعة، بينما العالم يتحرك أمامهم في استعراض عنيد، وكل حيوان ميكروسكوبي يجعل من نفسه محور الكون. وكانت المطاعم الجميلة قد اختفت في فترة الإرهاب إلا أنها عادت لنشاطها في ظل حكومة الإدارة وأصبحت الآن خير شاهد على أذواق الفرنسيين ومدى امتلاء جيوبهم بالنقود. وحدث خلال فترة حكم القنصلية والإمبراطورية أن أنثيلم بريلا - سافارين Anthelme Brillat-Savarin جمع الحقائق والأساطير المتعلقة بعلم الأكل أو فن تذوق الطعام (الجاسترو نوميا gastronomy) والتي ضمّنها عمله الكلاسيكي فسيولوجيا تذوّق الطعام La physiologie du gout الذي لم يمثل للطبع إلاَّ سنة ١٨٢٦ أي قبل وفاته بعام واحد.
وكان أسلوب الحديث ونمط اللباس في حالة تغيّر. فقد حلت كلمتا مواطن Citoyen ومواطنة Citoyenne محل كلمتي سيّدي (مسيو Monsieur) ومدام Madame اللتين كانتا سائدتين قبل الثورة. وتراجع الرجال الملتزمون بقواعد اللباس والسلوك عن ارتداء السراويل التي تصل للركبة (البناطيل القصار) والجوارب الحريرية الطويلة، فاستعادت البناطيل الطوال سيادتها كلما شحبت الإمبراطورية. أي راحت تزوي. وهجرت السيدات نمط اللباس الإغريقي الذي كان سائدا في عهد حكومة الإدارة وعُدن إلى التنورة skirt (الجيبة) والقميص bodice (البلوزة)، وظل الديكولتيه Decollete واسعاً سخياً في إظهار لحْم المرأة حيث تكون الأكتاف مكشوفة وكذلك الذراعين، وعارض نابليون هذا الطراز في اللباس (الديكولتيه) لكن جوزيفين وافقت عليه وأقرته، فانتصرت (على نابليون) بذراعيها الجميلتين وكتفيها وثدييها الناتئين.
ووافق الإمبراطور على إقامة الحفلات التنكرية لسروره بازدهار الحياة الاجتماعية. ولم