رجال القلم والخطباء. وكان نابليون إذا وجد أن تهدئة هذه الطائفة (لوردات الكلام من كتاب وخطباء) يستلزم تقديم جوائز أو مكافآت أو معاشات فإنه لم يكن يتوانى في تقديمها، وإلاّ فإنه يعمل على الحيلولة بين مسببي الإزعاج لحكمه القنصلي أو الإمبراطوري والنشر، أو العمل على إبعادهم عن باريس أو فرنسا. وقد كتب نابليون في سنة ١٨٠٢:
"إنَّ حرية الصحافة التي لا تحدّها حدود سُرعان ما تُسبب الفوضى وترسّخها في دولة كل شيء فيها مهّيأ لذلك بالفعل".
وكما كان يحدث في عهد حكومة الإدارة، فإن نابليون رغبة منه في متابعة الرأي العام، عمد إلى إصدار الأوامر لمديري البريد بفضِّ بعض الخطابات الخاصَّة، وكتابة تقارير له فيما يتعلق بالفقرات المعادية له، وأن يُعيدوا إغلاق الأظرف، وأن يُرسلوا نسخاً من المقتطفات التي يجمعونها من هذه الخطابات إليه شخصياً أو إلى الغرفة السوداء في مكتب البريد العام في باريس.
وأصدر تعليمات لأمين مكتبته الخاصة أن يُعِد تقريراً ملخصاً يعرضه عليه كل يوم فيما بين الساعة الخامسة والسادسة يتضمن ما ورد في الدوريَّات الجارية متعلقاً بالأمور السياسية، وأن يُقدِّم هذا التقرير كل عشرة أيام، وأن يتضمن هذا التقرير أيضاً تحليلاً لما ورد في الكتب والنشرات والأبحاث التي نُشرت في غضون العشرة أيام السابقة على تقدير التقرير وأمر نابليون أمين مكتبته الخاصّة أن يقدم له في اليوم الأول والسادس من كل أسبوع (أسبوع الثورة الفرنسية عشرة أيام) فيما بين الساعة الخامسة والسادسة نشرة بالملْصقات والإعلانات التي قد تلفت الانتباه وأن يكتب في تقريره أيضاً ما يكون قد نما إلى علمه من أقوال أو أفعال في المدارس المختلفة والتجمّعات الأدبية والخطب والمواعظ .. مما قد يكون ذا أهمية من منظور سياسي أو خلقي.
وفي ١٧ يناير سنة ١٨٠٠ أمر نابليون بوقف ستين صحيفة من بين ثلاث وسبعين صحيفة كانت تصدر في فرنسا في ذلك الوقت. وكان نابليون يُواصل بذلك السياسة التي سارت عليها حكومة الإدارة. وفي نهاية هذا العام المذكور آنفاً لم يَعُد باقياً من هذه الصحف إلاّ تسع، لم تكن واحدة منها ذات طابع نقدي راديكالي. قال نابليون:"إن هذه الصحف المعادية تسبب الرعب أكثر مما تسببه ألف حربة". ودأبت صحيفة لي مونتير