في فرنسا في سنة ١٨٠١ لدرجة تمنع ترحيب النقاد جميعاً بالقصة وابتسم منهم كثيرون (ساخرين) عند قراءة الفقرات المنمّقة (المصاغة بعناية) وعند إدراكهم توظيف الحب والدين والموت (وهو توظيف قديم) لإنعاش القلوب وإيقاظها من غفوتها، وحشد مكوّنات الطبيعة بمختلف مظاهرها وأحوالها لتكون لحناً إلزامياً مصاحباً لأفراح الإنسان وأتراحه.
لكن كان هناك أيضاً نقاد آخرون وعدد كبير من القراء امتدحوا بساطة استخدامه للكلمات والموسيقى الهادئة في أسلوبه ووصفه للحياة الحيوانية والنباتية والجبال والغابات والمجاري المائية معبراً عن الأصوات والأشكال والألوان بأزهى عبارة، مما شكَّل خلفية مفعمة بالحياة لأحداث القصة. لقد كان المزاج العام في فرنسا على استعداد لسماع كلمات طيبة عن الدين والطهارة. وكان نابليون يخطط لتصالح مع الكنيسة. لقد حان الآن الوقت المناسبة لنشر كتاب (عبقرية المسيحية).
٤/ ٣ - كتاب عبقرية المسيحية
لقد ظهر هذا الكتاب في خمسة مجلدات في ١٤ أبريل سنة ١٨٠٢ في الأسبوع نفسه الذي شهد إعلان الوفاق البابوي (الكونكوردات Concordat) وقد كتب جول ليميتر Jules Lemaitre في سنة ١٨٦٥: "إن كتاب عبقرية المسيحية هو أعظم إنجاز في تاريخ الأدب والفكر الفرنسيَّين"، وقد امتدح فونتين Fontanes الكتاب في مقال بصحيفة المونتير Moniteur مستخدماً صيغ التفضيل بشكل ينم عن احتفائه الشديد. وقد ظهرت الطبعة الثانية في سنة ١٨٠٣ مصّدرة بإهداء إلى نابليون. ومنذ هذا الوقت شعر المؤلف أن نابليون هو الشخص الوحيد الذي يتفوَّق عليه (والمعنى أن المؤلف اعتز بنفسه اعتزازاً شديدا، فقد أصبح يحس أنه يلي نابليون مباشرة في الأهمية).
وكلمة genie الفرنسية التي تظهر في عنوان الكتاب لا تعني بالضبط كلمة genius الإنجليزيّة (عبقرية أو نبوغ) رغم أنها تنطوي على ذلك المعنى أيضاً. إنها تعني الشخصية المميزة والروح الخلاق الكامن في صلب الدين، تلك الشخصية وهذه الروح التي أنجبت وغذت الحضارة الأوروبية بعد الفترة الكلاسيكية. لقد اقترح شاتوبريان أبطال تنوير القرن