الثامن عشر أي الحركة التنويرية Enlightenment المعروفة في ذلك القرن مُظهراً أن في المسيحية ما يُغني عنها ففي المسيحية - على حد قوله - فهم متعاطف أو تعاطف فاهم مع حاجات الإنسان وفيها بَلْسم لأحزانه، وفيها إلهام متعدد الجوانب للفن ودعم قوي للنظام الاجتماعي والأخلاق، وهذا يكفي أما مصداقية العقائد والمرويات الكنسية فهي مسألة قليلة الأهمية. فالسؤال الحقيقي هو: هل المسيحية تمثل دعما للحضارة الأوروبية؟ وهل هو دعم لا يُبارى ولا يُجارى ولا يعوّض ولا يمكن فصله عنها؟ - أي عن هذه الحضارة.
لقد كانت صورة التفسخ الأخلاقي والاجتماعي والسياسي في فرنسا الثورة التي طلَّقت نفسها من مسيحيتها الكاثوليكية تمثل برهاناً أقوى وأكثر منطقيّة من حُجج شاتوبريان. لكن شاتوبريان كان رجل مشاعر وأحاسيس وربما كان على حق في تأكيده أن معظم الفرنسيين هم أقرب إليه منهم إلى فولتير وغيره من المفكرين الذين عملوا بحماس على إبعاد عار هيمنة الدين المطلقة. لقد أطلق على نفسه اسم "المعادي للمفكرين anti-philosophe" . لقد اشتط كثيراً - أكثر من روسو بكثير في حملته ضد المنهج العقلي ووبّخ مدام دي ستيل de Stael لدفاعها عن التنوير. وعلى هذا فقد بدأ بالدعوة إلى الإحساس والشعور، وترك العقل في المحل الثاني.
لقد أعلن في البداية إيمانه بالسِّر الأساسي للعقيدة الكاثوليكية وهو التثليث Trinity: الرب God باعتباره الآب Father الخالق، والرب God باعتباره الابن المخلص أو الفادي Son redeeming، والرب Holy Spirit باعتباره الروح القدس Holy Spirit الذي يُنير الطريق ويبارك.
إن المسألة ليست مصداقية هذا الأمر، فالمهم أنه دون عقيدة في وجود إله مدبِّر تُصبح الحياة معركة لا رحمة فيها وصراعاً وحشياً، وتُصبح الخطايا لا غافر لها ويُصبح الزواج رباطاً ممزقاً هشاً غير قائم على أساس وطيد، وتُصبح الشيخوخة انفصاماً كئيباً ويُصبح الموت شيئاً قبيحاً، وإن كان كرباً لا يمكن اجتنابه.
أما الطقوس (الشعائر sacraments) الكنسية من تعميد Church- baptism (أو عماد) واعتراف confession وعشاء مقدس Communion وتثبيت التعميد confirmation والزواج matrimony ومسح المحتضر بالزيت المقدس extreme unction والسيامة الكهنوتية sacerdotal ordi nation (مراسم تعيين الكهنة) - فتحيل آلامنا وانهيارنا المخزي