عالم آخر لابد أن تكون هناك حياة أخرى لتعوضنا عن محنة الفضائل في عالمنا الأرضي.
ودلّل شاتوبريان على أن الحضارة الأوروبية تكاد تكون مدينة كلية للكنيسة الكاثوليكية - بدعمها للأسرة والمدرسة، ودعوتها للفضائل المسيحية، ولمعارضتها للخرافات والخوف اللاعقلاني والممارسات الخاطئة والقضاء عليها، وإلهامها للآداب والفنون وتشجيعها. إن العصور الوسطى قد منعت بحكمة السعي غير الموجّه للوصول للحقيقة، وكان منعها هذا لصالح الجمال فقد تجلى فن العمارة في الكاتدرائيات القوطية بشكل يفوق تجليه في البارثينون Parthenon . والآداب الوثنية فيها الكثير مما هو متعة للعقل والكثير مما هو مفسد للأخلاق. والكتاب المقدس المسيحي أعظم من كتابات هوميروس، والأنبياء أكثر تأثيراً في الناس من الفلاسفة، فأي رواية يمكن مقارنتها في رقتها وتأثيرها بحياة المسيح وتعاليمه؟!
إنه لمن الواضح أن كتاباً مثل عبقرية المسيحية لا يمكن أن يكون مقبولاً إلاّ من أولئك الذين كانوا مستعدين عاطفيا للاعتقاد (للإيمان) بسبب تجاوزات الثورة الفرنسية أو بسبب مِحَن الحياة. ومن هنا قال الفيلسوف جوبير Joubert صديق شاتوبريان أنه بحث عن ملجأ في الكاثوليكية هرباً من عالم ثوري مُرعب بدرجة لا تُحتمل. وقد يبتسم بعض القراء لتفسيره الطفولي لغاية أو غرض بعض مظاهر الطبيعة عندما يقول:
"إن شَدُو الطيور قد صُمِّم ليتمشي مع آذاننا … فرغم قسوتنا عليها (أي على هذه الطيور) فهي لا تستطيع أن تكُف عن إمتاعنا كما لو كانت مضطرة لتنفيذ أوامر إلهية".
لكن هؤلاء القراء كانوا دوماً منبهرين برقة موسيقى اللفظ والأسلوب حتى أنهم لم يتوقفوا كثيراً لفهم ما ذكره عن النّعم الثلاث لشرح فكرة التثليث في العقيدة المسيحية أو الخوف المالتوسي Malthusian (الذي أثاره مالتوس) من زيادة عدد السكان زيادة هائلة للدفاع عن فكرة التبتل celibacy أو البقاء بلا