الجرائم بل وندافع حتى عن التعذيب الذي تقوم به محاكم التفتيش، ويجب أن نبارك الجلاّد (منفّذ حكم الإعدام) بدلاً من جعله منبوذاً، فهو يقوم أيضاً بعمل الله (المهمة التي كلفه بها الله) وهي مُهمة حيوية للانضباط الاجتماعي. فاستمرار الشر ومثابرته يتطلب استمرار العقاب ومثابرته، فإن تواني العقاب نمت الجريمة. وأكثر من هذا فليس هناك عقاب لا يؤدي إلى تطهير وليس ثمة اعتلال جسدي أو عقلي يُحدثه الحبيب الباقي (الله Eternal love) إلاّ ويتحول إلى سهم في صدر مبدأ الشر والحرب مقدَّسة ما دامت هي قانون العالم وما دام الله قد سمح بها عبر التاريخ. إن الحيوانات المفترسة تطيع هذه القاعدة وتنفّذها. ويأتي الملاك الفاني (كذا: exterminating) بشكل دوري ليُفْنى آلافاً من هذه الحيوانات.
ويمكن اعتبار البشرية كشجرة، وأن هناك يداً غير منظورة تشذّبها باستمرار، وغالباً ما يكون هذا التشذيب لصالحها … والدماء الغزيرة التي تُراق غالباً ما يمكن ربطها بزيادة عدد السكان فابتداء من الديدان بل وحتى الإنسان نجد القانون الكبير - وهو قانون التدمير العنيف للأحياء - يفعل فِعْله. فالأرض جميعاً التي تشرب الدماء ليست إلا مذبحاً كبيراً (المقصود بالمذبح مكان تقديم القرابين في الكنائس والمعابد) حيث لا بد من التضحية بكل موجود حي، فالوقت بلا نهاية، بلا حدود، بلا توقف بل وحتى فناء كل شيء وحتى مَوْت الموْت نفسه.
وإذا كنّا نعارض أنّ مثل هذا الكون يدفعنا بشدَّة لعبادة خالقه. فإن ميستر يجيب بأننا لا بد أن نعبده رغم كل شيء لأن كل الشعوب وكل الأجيال عبدته، وأن مثل هذا التراث الباقي والعالمي لابد أن يحتوي حقيقة تفوق قدرة العقل الإنساني على الفهم وتستعصي على الدحض أو التفنيد. في خاتمة المطاف فإن الفلسفة - إن كانت حقيقة تحب الحكمة - ستستسلم للدين، والعقل سيستسلم للإيمان.
وفي سنة ١٨١٧ استدعى ملك سردنيا - وكان قد استعاد عرش تورين Turin - ميستر من روسيا، وفي سنة ١٨١٨ عينه في منصب كبير وجعله مستشاراً للدولة. وفي هذين العامين أَلَّف هذا الفيلسوف الشَّرس grim كتابه الأخير عن البابا Du Pape نُشر سنة ١٨٢١ بعد موته مباشرة. والكتاب إجابة عنيده عن الأسئلة التي أثيرت حول تمجيده