وما دام عمر الفرد قصيراً جداً لا يمكنه من سَبْر حِكْمة التراث فيجب أن يتعلّم القبول به (أي بالتراث) كمرشد له ودليل حتى يبلغ من العمر مبلغاً كبيرا يمكّنه من فهمه (أي هذا التراث). انه - بطبيعة الحال - لن يكون قادراً على فهمه فهماً كاملاً. ولا بد أن يتشكك في أي تغيير مقترح في الدستور أو الأعراف الأخلاقية. ويجب أن يكرّم السلطة الشرعية باعتبارها رأي التراث وتوجّهه، وباعتبارها خبرة بشرية وباعتبارها بالتالي صوت الله.
الملكية الوراثية والمطلقة سلطتها هي من رأيه أفضل أنواع الحكم لأنها تمثل التراث الأعرض والأعمق والأطول وهي تعمل على تحقيق الانضباط والاستمرارية والاستقرار والقوة، بينما الديمقراطية بدوام التغيير فيها - سواء تغيير القادة والزعماء أو تغيير الأفكار - وجنوحها بشكل دَورْي لإرضاء نزوات العوام وجهلهم تؤدي إلى الفوضى وعدم الرضي والطيش، وتنتهي سريعاً. إن فن الحكم يعني من بين ما يعني تسكين العوام، أمَّا إِنْ أطاعتهم الحكومة فهي - بذلك - تنتحر.
وبتؤدة (١٨٠٢ - ١٨١٦) عرض في أكثر مؤلفاته شهرة: أمسيات في سان بطرسبرج Les Soirees de Saint petersbourg (نشر سنة ١٨٢١) بعض الجوانب الثانوية لفلسفته. لقد كان يؤمن أن العلم يثبت وجود الله، لأن
"الله قد أوحى للطبيعة انضباطها العظيم الذي هو جزء من عبقرية النظام الكوني لا يجب أن ننزعج وألاّ تهتز عقائدنا بالنجاحات المؤقتة للشر، أو للإحباطات التي يواجهها الخير"،
فالله يتيح للخير والشر أن يهبطا على القديس والمجرم على سواء كما يتيح الشمس أن تشرق على كليهما، ويتيح للمطر أيضاً أن يهطل عليهما لا يمنعه عن أحدهما، لأنه - أي الله - يكره أن يعطّل قوانين الطبيعة، وعلى أية حال فإن الله قد يستجيب لدعاء الدَّاعين لتغيير تأثير هذه القوانين الطبيعية. بالإضافة إلى أن معظم الشرور تعد عقاباً على أخطاء أو خطايا، وربما كان كل مرض وكل ألم عقاباً على بعض الفساد الكامن في نفوسنا أو نفوس أسلافنا أو نفوس مجموعتنا التي نعيش بينها.
وإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن ندافع عن العقاب البدني، والإعدام كعقاب لبعض