للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتحكمون في جشع البشر، وعدد قليل من الفلاسفة قد يمكنهم تحقيق ذلك (التحكم في أطماع البشر) عن طريق العقل لكن ما هو كامن في معظمنا لا يمكّن الفضيلة من السيطرة على غرائزنا الأساسية. وأن نترك كل من نفترض أنه ناضج ليحكم على الأمور وفقاً لعقله هو (وهو عقل ضعيف بسبب عدم الخبرة وبسبب العبودية للرغبة) فإن معنى هذا أن نضحّي بالانضباط (النظام) لصالح الحرية. ومثل هذه الحرية غير المنضبطة تصبح فوضى اجتماعية تهدد سلطة الجماعة التي من حقها أن تتّحِدَ ضدَّ هجوم يأتيها من الخارج أو فوضى تنشب في الداخل.

وعلى هذا فقد كانت حركة التنوير المغالية فيما يرى ميستر Maistre خطأ هائلاً. لقد قارنها بالشاب الذي تبنّى لنفسه وهو في الثامنة عشرة من عمره خططاً راديكالية لإعادة البناء في مجالات التعليم والأسرة والدين والمجتمع والحكم. واعتبر ميستر أن فولتير مثالاً اختاره لمثل هؤلاء التافهين الذين ادَّعْوا الإحاطة بكل شيء علماً انه حدّثنا عن كل شيء في كل العصور دون أن يتوغّل مرة واحدة إلى ما تحت السطح، لقد كان مشغولاً دائماً بتعليم العالم أنه قلما يكون لديه وقت للتفكير لو أنه درس التاريخ بتواضع كفرد زائل (مجرد فرد في مرحلة تاريخية) يبحث عن العلم من خبرات الجنس البشري، لكان قد عرف أن" الزمن نفسه مُعَلِّم أفضل من التفكير الشخصي"، ولكان عرف "أن أصحّ اختبار لفكرة هو تأثيراتها العملية (البرجماتية) في الحياة والتاريخ والجنس البشري"،

ولكان عرف أن المؤسسات العريقة في تراث القرون الخوالي لا يجب رفضها دون حساب دقيق للخسائر في مقابل المكاسب، ولكان عرف أن:

"المعركة التي شُنّت لتدمير الكنيسة وإلحاق الخزي بها ستؤدي إلى انهيار الأخلاق والأسرة والمجتمع والدولة فالكنيسة هي التي صاغت النظام الاجتماعي في غرب أوروبا (يقصد الكنيسة الكاثوليكية) ".

إن الثورة القاتلة المغتالة هي النتيجة المنطقية لحركة التنوير العمياء.

"إن الفلسفة قوّة مخرّبة أساسيّة لأنها وضعت كل ثقتها في العقل، والعقل فردي، والعقل يمثل الفكر الفردي، وتحرر الفرد من التراث السياسي والديني وتحرره من قبضة السلطة، يهدد الدولة بل والحضارة نفسها".

ومن هنا فإن الجيل الحالي يشهد واحداً من أكثر الصراعات حدّة لم تشهد لها البشرية مثيلاً: الحرب حتى الموت