وعلى هذا فقد أصدرت له إحدى مطابع نيوشاتل Neuchatel ملاحظات حول فرنسا Considerations sur la France ذكر فيه أن حكومة لويس السادس عشر كانت متذبذبة متردّدة تُعْوِزها الكفاءة وأن الكنيسة الفرنسية تحتاج إصلاحاً. لكن أن نُغَيِّر شكل الدولة وسياساتها ونهجها بمثل هذه السرعة وهذا التهوّر يعني أن نُضَلل جهل المراهق (غير الناضج) الذي لا يفهم الأسس العميقة لفن الحكم. لقد اعتقد أنه.
"لا يمكن أن يكون للأخلاق مكان إذا لم يكن لها جذور في التراث والزمن أو إذا لم تجد لها سنداً من دين وقِيَم، والثورة الفرنسية لمَ أغلقت كل هذه الأبواب المُفضية للأخلاق بإعدامها الملك وتجريدها الكنيسة من ممتلكاتها. أبداً لم يحدث أن كان لمثل هذه الجريمة البشعة كل هؤلاء المشاركين الكثيرين فيها .. إن كل قطرة نزفت من الملك لويس السادس عشر ستكلف فرنسا سيلاً من الدماء. ربما سيدفع أربعة ملايين فرنسي حياتهم بسبب هذه الجريمة الوطنية البشعة .. جريمة العصيان المسلح ضد الدين وضد النظام الاجتماعي، تلك الجريمة التي بلغت ذروتها بقتل الملك".
وفي سنة ١٧٩٧ دعاه الملك شارل إمانوئيل ليعمل في تورين كتابع له، لكن سرعان ما استولى نابليون على تورين فهرب الفيلسوف إلى البندقية (فينيسيا). وفي سنة ١٨٠٢ تم تعيينه مفوّضاً سردنيا كامل الصلاحيات في بلاط القيصر اسكندر الأول. ولأنه كان يتوقع ألاّ تطول مدّة مهمته فقد ترك أسرته ولم يصطحبها معه لكن خدمة مليكه اقتضت منه البقاء في سانت بطرسبرج حتى سنة ١٨١٧. وتحمل بُعده عن وطنه بصبر نافذ.
وأهم أعماله هو مبحثه عن المبادئ الدستورية Essai Sur le principe generateur des Constitutions Politiques (١٨١٠) وقد استخلص مثل هذه الدساتير التي تناولها من الصراع البشري بين الخير والشر (بين ما هو اجتماعي وما هو غير اجتماعي)، ومن الاندفاعات (الاضطرابات) ومن الحاجة لسلطة منظمة ودائمة لحفظ النظام العام ولحفظ الجماعة بدعْم روح التعاون في مواجهة الفردية والأهواء. إن كل إنسان يتطلع وهذا طبيعي للسلطة والتملّك وهو إذا لم يُروّض تحول إلى دكتاتور مجرم مغتصب. إن بعض القدّيسين