حياتها الاقتصادية بسحب المزيد من سكانها من الحقول والقرى إلى المصانع والمدن، ومن العمل البطيء في مجال الحرف المنزلية وفي نطاق الطوائف المهنية (الحرفية) إلى العمل في نطاق مجموعات محددة منظمة ومدربة من رجال ونساء وأطفال دربوا على الميكنة والآلات لإنتاج منتجات مصنعة للعالم.
لقد ساعدت العزلة (كون بريطانيا جزراً تحيطها البحار) على إحداث هذا الانتقال. فمنذ وقت باكر يعود إلى القرن الثاني عشر للميلاد كان الإنجليز النشطون قد وقر في عقولهم أن بإمكانهم الاستفادة من الأراضي إن كانت شاسعة أكثر من استفادتهم منها إن كانت مجزأة في قطع صغيرة. لقد اشتروا مزارع كبيرة وكونوا مشاعات Commons وكانت هذه المشاعات حقولاً ومحاطب حيث يقوم الفلاحون - تقليدياً - برعي مواشيهم وجمع حطب الوقود، وكان الإنجليز يشغِّلون في ممتلكاتهم الواسعة أُجراء hired hand's يعملون تحت إشراف مشرفين (نظّار).
وفي القرن الخامس عشر أدركوا أنه يمكنهم الحصول على مزيد من الأرباح بتربية الماشية والدواجن أو - وهذا هو الأفضل - برعي الخراف، فهذا أفضل من حرث الأرض وزراعتها، فهم بذلك يكونون أقل حاجة إلى الأيدي العاملة، كما أنهم قد وجدوا بالفعل أسواقاً للذبائح والصوف لدى البريطانيين الذين يعانون من البرد والمحبين لأكل اللحوم، وأيضاً لدى الشعوب الأخرى خارج بريطانيا، وشيئاً فشيئاً راح مزيد من الفلاحين يبيعون ممتلكاتهم أو يهجرون مزارعهم إلى المدن. واختفى - ببطء - صغار مالكي الأرض من الطبقة الوسطى آخذين معهم شيئاً من قوة الشخصية الإنجليزية وكبريائها. وبحلول سنة ١٨٠٠ كان عدد السكان في بريطانيا ١٥ مليون نفس، بينما كان عدد الخراف ١٩ مليون، فقال الظرفاء "إن الخراف قد التهمت الناس".
وحتى اليوم يفاجأ المرء عند ترحاله في وسط إنجلترا وشمالها بندرة المزارع والأراضي المعدة للزراعة، بينما يكثر عدد المسيجات enclosures (الأراضي المسيّجة) الخضراء التي لا يرى فيها إلا الخراف التي تحوِّلُ العشب إلى صوف وتكافئ التربة الممتنة بإفرازاتها (تُسمدها).
يجب ألا نبالغ، فخلال هذه الفترة (باستثناء الأزمة التي اقتربت في أثنائها بريطانيا من المجاعة في سنة ١٨١١ بسبب الحصار القاري الذي فرضه نابليون) نجحت الزراعة في إنجلترا