ومع هذا فسيكون من الخطأ أن نقدم تعليما عاما من خلال نظام وطني للمدارس (المقصود نظام حكومي تتبناه الدولة) لأنه سيكون في هذه الحال أداة من أدوات الشوفينية chauvinism (الغلوّ في الوطنية) مما يؤدي إلى قيام الحروب، وأداة من أدوات البروباجندا propaganda (الدعاية) الحكومية التي تهدف إلى ترسيخ قيم الطاعة العمياء. إذ لا بد من ترك التعليم في أيدي القطاع الخاص الذي يجب دائما أن يقول الحق والذي يجب أن يعوّد الطالب على استخدام العقل. فالعقل ليس مبدأً مستقلاً أو ملكة أو قدرة كلية وليس لديه ميل لحثنا على الفعل. فهو من الناحية العملية مجرد أداة للمقارنة - والموازنة - بين المشاعر المختلفة. "فالعقل … قد صُمِّم (بضم الصاد) لتنظيم سلوكنا على وفق القيمة المقارنة للمثيرات أو المنبهات أو الدوافع. فالأخلاق ليست إلا حساب النتائج أو العواقب بما في ذلك النتائج أو العواقب التي تعود على المجتمع". وعلى هذا فتحسين العقل يعني تحسين أحوالنا الاجتماعية.
إن الطريق إلى المدينة المثالية (اليوتوبيا) عن طريق التعليم طريق طويل وشاق لكن الإنسان قد حقق بعض التقدم في السير في هذا الطريق، وليس هناك حد لمزيد من التقدم فيه. إن الهدف أن تتلقى البشرية تعليما كافيا متبصرا يتيح لها إعمال العقل بحرية (دون قيود). إن إلغاء الحكومة (الأنارشية Anarchism) هدف بعيد لكنه سيظل مع هذا هدفا لكثير من الأجيال القادمة وطبيعة الإنسان ستحتم شكلاً أو آخر من أشكال الحكومة. دعونا نواصل آمالنا في أن يتطور الذكاء - عبر أجيالنا القادمة - ليصبح حرية منضبطة.
ولابد أن جودوين كان يمتلك نبعاً ثرّاً من الذكاء لأنه في سنة ١٧٩٤ أصدر - بعد عام واحد من نشرة كتابه الحاشد (أسئلة عن العدالة السياسية … ) أصدر رواية حكم عليها كثيرون بأنها الرواية الرائعة البارزة في ذلك العصر. إنها رواية كالب وليمز Caleb Williams التي أظهرت روح الحكومة وطبيعتها من حيث كونها تقحم نفسها في حياة كل طبقات المجتمع وقد أضاف المؤلف إلى هذه الرواية قصة حياته: لقد تزوج ماري ولستونكرافت Wollstonecraft (١٧٩٧) وتبنى ابنتها فاني إمالي Fanny Imaly التي أنجبتها نتيجة اتصالها الجنسي بشخص دون زواج (نتيجة علاقة زنا) وعاش مع ماري مدة عام في عِشْرةٍ