فالعدالة إذن هي تنظيم سلوك الفرد والجماعة لتحقيق أقصى قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس. "فالهدف العاجل للحكومة هو أمن الجماعة والفرد وما دام الفرد يرغب في أكبر قدر من الحرية مما ينسجم مع أمنه، فإن أفضل وضع للبشر هو الوضع الذي يحافظ على الأمن العام مع أقل انتهاك ممكن لاستقلال الفرد ". وعلى هذا فليست هناك حاجة لمراسيم حكومية أو دينية للزواج، فاتفاق اثنين من البالغين على العيش معا يجب أن يكون كافيا، ويجب فسخ الارتباط (الاتفاق على العيش معا) إذا رغب في ذلك أحد الطرفين. (وقد أعجب الشاعر شيلي Shelley بهذا الاتجاه على نحو خاص).
ولم يكن جودوين يحب الحكومات. فمهما كانت أشكالها ومهما كانت النظريات التي تقوم عليها، فإنها لا تعدو أن تكون سيطرة الأقلية على الأغلبية. لقد كان دوما يتبرأ من دعوى المحافظين أن الجماهير مفطورة على الدونية وأنها دائما تميل للقتل، ولهذا فلا بد من حكمها إما بالكذب عليها أو إرهابها أو إجبارها (بالكذب أو الإرهاب أو القوة). وكان - مثل أوين Owen - يعتقد أن هذه الصفات الدونية ترجع إلى نقص التعليم أو قلة الفرص أو فساد البيئة. وسخر من المساواة أمام القانون لأنه كان يرى كل يوم الذين يحصلون الأموال الطائلة بطرق ملتوية وغير سليمة يفلتون من العقاب بحيل قانونية أو بسبب محاباة القضاة لهم. ولم يكن اشتراكيا فقد قبل مبدأ توريث الثروة ومبدأ تعيين أوصياء لإدارتها. وعارض السيطرة الحكومية على الإنتاج والتوزيع، لكنه أصر على ضرورة أن تكون الملكية الشخصية في خدمة الصالح العام، وحذر من أن تركيز الثروة ما هو إلا دعوة إلى الثورة.
وعلى أية حال، لم يكن ميّالاً إلى الثورة. فحين تتغير طبائع الأجناس البشرية تغيرا جوهريا فإن الإطاحة بالنظام القائم بالقوة، وأية محاولة ثورية لإعادة توزيع الثروة، ستسبب فوضى اجتماعية تلحق ضررا بالرخاء العام أكثر من الضرر الذي يلحقه عدم المساواة (التفاوت في الثروة) الذي تحاول إزالته. فالثورة في الفكر (تغيير الآراء) هي السبيل الوحيد للوصول لتوزيع أفضل للثروة. وهذا يتطلب تعليماً يستغرق فترة طويلة ويتطلب صبرا .. تعليماً تتلقاه الأجيال من خلال المدارس والإنتاج الأدبي والفكري.